صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

فضيلة التوكل


التوكل منزل من منازل السالكين ومقام من مقامات الموحدين، بل هو أفضل درجات الموقنين. ولذا ورد في مدحه وفضله وفي الترغيب فيه ما ورد من الكتاب والسُنّة، قال الله - تعالى -: ﴿ومن يتوكَّل على الله فإنّ الله عزيزٌ حكيمٌ.

أي عزيز لا يذل من استجار به، فلا يضع من لاذ بجنابه، وحكيم لا يقصر عن تدبير من توكل على تدبيره. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من انقطع إلى الله، كفاه الله كل مؤونة، ورزقه من حيث لا يحتسب. ومن انقطع إلى الدنيا، وكله الله إليها". وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من سرّه أن يكون أغنى الناس، فليكن بما عند الله أوثق منه لما في يده". وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقتم كما ترزق الطيور، تغدو خماصاً وتروح بطاناً".

* درجات التوكل:
للتوكل في الضعف والقوة ثلاث درجات:
الأولى: أن يكون حاله في حق الله والثقة بعنايته وكفالته كحاله بالثقة بالوكيل، وهذه أضعف الدرجات، ويكثر وقوعها ويدوم مدة مديدة، ولا ينافي أصل التدبير والاختيار، بل ربما زاول كثيراً من التدبيرات بسعيه واختياره. نعم ينافي بعض التدبيرات كالتوكل على وكيله في الخصومة، فإنه يترك تدبيره من غير جهة الوكيل، ولكن لا يترك الذي أشار إليه وكيله، ولا التدبير الذي عرفه من عادته وسُنَّته دون تصريح إشارته.

الثانية: أن تكون حاله مع الله كحال الطفل مع أمه، فإنه لا يعرف غيرها، ولا يفزع إلا إليها، ولا يعتمد إلا عليها. فإن رآها تعلق في كل حال بذيلها، وإن ورد عليه أمر في غيبتها كان أول سابق لسانه يا أماه!. والفرق بين هذا وسابقه، أن هذا متوكل قد فني في موكله عن توكله،

أي ليس يلتفت قلبه إلى التوكل، بل التفاته إنما هو إلى المتوكل عليه فقط، فلا مجال في قلبه لغير المتوكل عليه. وأما الأول فتوكل بالكسب والتكلف، وليس فانياً عن توكله، أي له التفات إلى توكله، وذلك شغل صارف عن ملاحظة المتوكل عليه وحده. وهذا أقل وقوعاً ودواماً من الأول، إذ حصوله إنما هو للخواص، وغاية دوامه أن يدوم يوماً أو يومين، وينافي التدبيرات، إلا تدبير الفزع إلى الله بالدعاء والابتهال، كتدبير الطفل في التعلق بأمه فقط.

الثالثة: وهي أعلى الدرجات، أن يكون بين يدي الله في حركاته وسكناته مثل الميت بين يدي الغاسل، بأن يرى نفسه ميتاً، وتحركه القدرة الأزلية كما يحرك الغاسل الميت. وهو الذي قويت نفسه، ونال الدرجة الثالثة من التوحيد. والفرق بينه وبين الثاني، أن الثاني لا يترك الدعاء والتضرُّع كما أن الصبي يفزع إلى أمه، ويصيح ويتعلق بذيلها، ويعدو خلفها، وهذا ربما يترك الدعاء والسؤال ثقة بكرمه وعنايته، فهذا مثال صبي علم أنه إن لم يرض بأمه فالأم تطلبه،

 وإن لم يتعلق بذيلها فهي تحمله، وإن لم يسأل اللبن فهي تسقيه. ومن هذا القسم توكل إبراهيم الخليل - عليه السلام - لما وضع في المنجنيق ليرمى به إلى النار، وأشار إليه الروح الأمين بسؤال النجاة والاستخلاص الله - سبحانه - فقال: "حسبي من سؤال علمه بحالي". وهذا نادر الوقوع، عزيز الوجود، فهو مرتبة الصدّيقين، وإذا وجد فدوامه لا يزيد على صفرة الوجل، أو حمرة الخجل، وهو ينافي التدبيرات ما دام باقياً إذ يكون صاحبه كالمبهوت. ثم، توكل العبد على الله قد يكون في جميع أموره، وقد يكون في بعضها. وتختلف درجات ذلك بحسب كثرة الأمور المتوكل فيها وقلتها. وقال الكاظم عليه الصلاة ولسلام في قوله - عزّ وجلّ -: ﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا.

"التوكل على الله درجات، منها أن تتوكل على الله في أمورك كلها، فما فعل بك كنت عنه راضياً، تعلم أنه لا يألوك خراً وفضلاً، وتعلم أن الحكم في ذلك له، فتوكل على الله بتفويض ذلك إليه، وثق به فيها وفي غيرها".

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع