نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

التربية والتعليم في الإسلام‏

آية الله الشهيد مرتضى مطهري‏

* التربية العقلية للإنسان
في المحاضرة السابقة كان بحثنا يدور حول دورة الإسلام إلى العلم والعقل (بمعنى التعقّل) وقد ذكرنا الفرق بينهما، ففي العلم لا يكفي أن يهتم الإنسان بالتلقي بل ينبغي أن يضيف مسألة التفكر والتحليل. وكنت في البداية أرى أن أكتفي بهذه الخلاصة ولكن بعد مراجعتي لتلك الشواهد والمكتوبات التي دونتها قبل سنوات عديدة، رأيت أن هناك مسائل من المفيد المرور عليها ولو بشكل إجمالي. قد نتخيل للوهلة الأولى عندما نمر عليها أنّها مجرّد أمور نظرية، ولكن الهدف منها هو التعليم والتربية وهي إنما جاءت لأجل أن تطبّق من قبل المسلمين، نبدأ أولاً بما جاء في باب العقل.

* يجب أن يكون العقل غربالاً
يوجد رواية معروفة جداً في كتاب "العقل والجهل" في الكافي والبحار وتحق العقول وقد نقلها "هشام بن الحكم" المتكّلم المعروف، عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وهي خطاب موجه لهشام نفسه وفيها تفاصيل عديدة نذكر منها الآن عدة أقسام.
يستند الإمام عليه السلام في هذه الرواية إلى آية شريفة في القرآن من سورة "الزمر": ﴿فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هو أولو الألباب.
إنها بشارة لأولئك الذين لا يمرون على كل ما يسمعونه أو يرددونه، بل يزينونه ويقيمونه ثم يختارون الأصلح فيتبعونه، وهؤلاء هم الذين حصلوا على الهداية الإلهية، وهذه مسألة مهمة جداً.
ثمّ يقول عليه السلام: يا هشام إنّ الله تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: ﴿فبشّر عباد.

ويفهم من هذه الآية وهذا الحديث أن إحدى أبرز صفات العقل عند الإنسان هي التمييز والفصل ما بين الحق والباطل، القوي والضعيف، المنطقي وغيره، وباختصار "الغربلة". فالعقل يلعب دوره الحقيقي عند الإنسان عندما يكون مثل الغربال في تمييزه بين الأمور وأخذه لما يناسب.
وهنا حديث يظهر أنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث يقول: "كفى بالمرء جعلاً أن يحدّث بكل ما سمع".
نجد بعض الناس كالمسجّلة، فكل ما يسمعونه يمتلئون منه، ثم يصبّونه في مكان آخر بدون أن يشخّصوا صحته أو سقمه، فهناك علماء كثيرو الاطلاع وقليلو العقل. والعجيب أننا نشاهد بالرغم من الروايات المستفيضة التي تؤكد على ضرورة نقد الكلام، رواة ومحدثين أو مؤرخين لا يراعون هذا الأصل أبداً.

* انتقاد لابن خلدون‏
في مقدّمته التاريخية ينتقد ابن خلدون بعض المؤرخين ويقول أنّ هؤلاء يبحثون فقط عن صحة السند: هل أنّ هذا التاريخ قد نقله فلان معتبر. ينبغي قبل هذا أن نبحث عن صحة المضمون، وأن نفكر أولاً هل أن هذا الأمر يتناسب مع المنطق أم لا؟ ثم يضرب مثالاً عما نقله بعضهم، أنه عندما عبر قوم موسى البحر ولحقهم قوم فرعون، كانوا 250 ألف رجل مقاتل. وهل يصح هذا وأولاد إسرائيل جميعهم هم أولاد يعقوب وهو رجل واحد ولم يكن قد مضى عليه أكثر من 5 أو 6 أجيال (هناك من يقول أن المدة تبلغ 164 سنة وفي الروايات الأخرى أنها 400 سنة)، لنفرض أننا تبنينا القول ب 4000 سنة، فيصبح تسليمنا ب 250 ألف رجل مقاتل يعني أن بني إسرائيل يتجاوزون المليون نفر. علماً بأن فرعون كان يقتل أبناءهم: ﴿يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم... فمع كل هذا هل يمكن للعقل أن يتقبل مثل هذا؟
ويقول ابن خلدون أن المؤرخين لا يفكرون في هذا الأمر إذا كان ينطبق مع المنطق السليم أم لا؟

سمعت ذات يوم من أحد الوعّاظ المشهورين الذي كان يريد أن يبيّن كيفية انقراض بني أمية وحلول البركة في نسل الإمام الحسين عليه السلام كان يقول: لم يبق من نسل الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء إلا ولد واحد وهو علي بن الحسين عليه السلام، ومنه جاء السادات الحسينيون والموسويون والروضويون ولم يبق من بني أمية أحد. ثم ينتقل إلى بني أمية فيقول أنه في سنة 61 هـ عندما وقعت فاجعة كربلاء، "كان في بيوت بني أمية 12 ألف مهدِ ذهبي". الآن لنحسب كم كان بنو أمية وكم يمكن أن يكون في بيوتهم من ولادات، ومن بين تلك الولادات من كان يوضع في مهد ذهبي.
المرحوم السيد الخوانساري يسخر من مثل هذه الحكايات ويقول: أجل، ففي يوم من الأيام كانت مدينة هرات كبيرة إلى درجة أنه كان فيها 21 ألف أحمد أحول. الآن احسبوا كم من أحول يوجد هناك ومن بينهم أولئك الذين اسمهم أحمد. ونجد مثل هذه الحكايات (بالطبع ليس بهذه الفضاحة) في التاريخ الكثير.

وكنت ذات يوم أطالع في كتبنا التاريخية المعروفة والتي ألفها أشخاص عظام، قرأت أنه في واقعة الحرة حدثت المجازر الدموية فقدموا إلى بيت من أهل المدينة وكان من الأنصار ومن عائلة فقيرة وكانت الأم قد وضعت طفلاً جديداً وهو في المهد... دخل أحد الشاميين ليسرق شيئاً من البيت فلم يجد أي شي‏ء. فاشتد غضبه من ذلك وقرّر أن يرتكب جريمة فبدأت المرأة ترجوه بأنها زوجة أحد صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد بايعا النبي في بيعة الرضوان... مهما حاولت لم تنجح معه، فحمل الطفل من رجله ودار به في الهواء ثم ضربه بالجدار ليخرج دماغه من رأسه، وقد نقلوا الكثير من هذا القبيل. فهل يمكن أن يكون هذا صحيحاً؟ تلك المرأة التي كانت مع زوجها في بيعة الرضوان هل يمكن أن تحمل في سنة 63 للهجرة، أي ما يزيد عن 58 سنة من ذلك الوقت. ولنفرض أن المرأة كانت في ذلك الوقت تبلغ سن العاشرة وهي حديثة الزواج فهي سوف تكون قد بلغت سنة 63 هـ سن 68 سنة، فهل تحمل المرأة في هذا السن ويكون ابنها رضيعاً؟ إن هذا يتطلب حساباً بسيطاً. ولو فكّر الإنسان بمقدار ما، سوف يفهم أن هذا كذب. وهذه هي الغربلة والميزان. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "كفى بالمرء جهلاً أن يحدّث بكل ما سمع". والجهل في أغلب الأحاديث لا يكون مقابل العلم، بل في مقابل العقل. فهو اللاتفكير وليس عدم العلم. وذلك الذي لا يفكر سوف يصدّق كل ما يسمع.

* نقد الحديث‏
المسألة الأخرى القريبة من هذا المطلب والتي تستنبط من هذه الآية ومن بعض الأحاديث، هي مسألة تجزئة الحديث، وهي فصل العناصر الصحيحة عن العناصر المغلوطة، فهناك فرق ما بين أن يختار الإنسان من حديثين أيهما أصح ويترك الخطأ، وبين تجزئة حخديث واحد بحيث يأخذ عناصره الصحيحة ويترك عناصره الخاطئة. فهذا ما يعبر عنه في الروايات بالنقد والانتقاد.
عندما يقال: انتقد الدرهم أو انتقد الكلام فهذا يعني أنه أظهر عيوبه ومحاسنه، كما تُحك القطعة المعدنية الذهبية ليعلم يارها بالدقة. فانتقاد الكلام هو فصل حسنه عن سيئه.

وفي هذا المجال يوجد أحاديث كثيرة ومذهلة. كما جاء في رواياتنا عن النبي عيسى عليه السلام أنه قال: "خذ الحق من أهل الباطل ولا تأخذ الباطل من أهل الحق".
وهذا الحديث يلفت النظر إلى أن توجه الإنسان ينبغي أن ينصب نحو الكلام لا المتكلم. وشاهدي هو هذه الجملة الأخيرة حيث يقول: "كونوا نقاّد الكلام".
ثم يقول الإمام عليه السلام كلاماً في هذا المجال: "يا هشام إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول، ونصر النبيين بالبيان، ودلّهم على ربوبيته بالأدلاء، فقال: ﴿إلهكم إله واحد، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار ..لآيات لقوم يعقلون".

* التفكّر بالعاقبة
إحدى الخصائص الأخرى للعقل والتي ينبغي أن تربي العقول على أساسها هي حساب العواقب. وقد أكدت التربية الإسلامية على هذا الأمر كثيراً وأرادت من الإنسان أن يحرر نفسه من الزمان الحالي والالتفات إلى المستقبل ونتائجه.
يوجد حديث معروف قد ذكرناه أيضاً في "قصص الأبرار" حيث يأتي أحد الأشخاص إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسأله: يا رسول الله، عظني؟. فأجابه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل تعمل بما أقوله لك؟ قال: بلى. فكرر عليه السؤال مرة ثانية فقال: نعم. فكرره ثالثة: وكان هذا التكرار من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليرى استعداده للكلام. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع