نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

القادة الشهداء: دماءٌ على طريق القدس(*)


السيّد الشهيد عبّاس الموسوي (رضوان الله عليه)


ألقى سيّد شهداء المقاومة الإسلاميّة السيّد الشهيد عبّاس الموسوي (رضوان الله عليه) كلمة في احتفال أُقيم لمناسبة أسبوع المقاومة الإسلاميّة في بلدة سحمر في البقاع الغربي عام 1991م، تحدّث فيها عن رؤيته للمقاومة والجهاد والانتفاضة في فلسطين المحتلة، وأوصى وصيّته الشهيرة بوجوب حفظ المقاومة الإسلاميّة. نعيد نشر أجزاء من "الوصيّة"، نظراً إلى أهميّتها وارتباطها بالكثير من وقائع المرحلة الراهنة.


* إنّه عصر سفك الدماء
إنّ هذا العصر، كما ترَون، عصر فساد وسفْك دماء في كلّ أنحاء العالم.. لا تجد بلداً من بلاد العالم في عصرنا الحاضر لا يعيش حالة الحروب وحالة الفساد. وإذا تُركت المسألة هكذا من دون أن يوجّه السلاح وجهته الحقيقيّة فسيبقى يُستخدم من أجل الباطل. لقد زُرعت "إسرائيل" في المنطقة في فلسطين، ثم أصبحت تتهدّد كلّ المنطقة.. والشعوب تدفع ضريبة وجودها. ابن البقاع الغربيّ، ابن الجنوب، بل إنّ لبنان بشكل عام دفع ضرائب كثيرة ولم تبقَ دولة من الدول إلّا تأذّت من وجودها في المنطقة.. فكل يوم تُسفك فيه دماء مجاناً ومن دون أيّ ثمرة..

* اجعلوا لدمائكم ثمراً
الذي نطالب به نحن هو فقط ما طالب به النبيّ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما رأى الدماء تُسفك مجّاناً في الجزيرة وغيرها دون فائدة. ما نقوله: إنّه يجب على الأمّة الإسلاميّة أن تحزِم أمرها، وتحسم موقفها ثم ترفع لواء المقاومة والمواجهة ضدّ العدوّ الإسرائيليّ، حتّى إذا ما سُفكت هذه الدماء تُسفك بحقّ..

لقد كان أيّ نبيّ من الأنبياء عليهم السلام عندما يريد أن يدلّ على صدقه، يقول للنّاس: "لا أسألكم أجراً"، لا أريد منكم شيئاً. فهل أخذ محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم معه شيئاً من الدنيا؟ أبناء المقاومة الإسلاميّة هم كذلك أيضاً، ودليل صدقهم أنّهم يدفعون دماءهم الطاهرة.. يدفعون أنفسهم.. يرمّلون نساءهم.. يُيتّمون أطفالهم.. يدفعون كلّ شيء.. ولا يأخذون شيئاً.. ألا يكفي ذلك دليلاً على صدقهم؟‍‍!

* اختاروا أقصر الطرق إلى الله
شهداؤنا منهم الشهيد محمد بجيجي في البقاع، الشهيد رضا الشاعر، شيخ الشهداء صاحب هذه الذكرى الطاهرة العطرة. ماذا أخذ معهم هؤلاء الشهداء؟ كان شيخ الشهداء يردّد دائماً: "أريد العزّة والكرامة لهذه الأمّة، أريد لهذه الأمّة أن ترجع إلى حضارتها، وأن تبني مجدها وعزّها وقوّتها". إنّ أعظم دليل على صدق هؤلاء دماؤهم، وأنفسهم التي أودعوها تحت التراب.. هذا دليل صدقهم..

كيف يمكن أن نفسّر أنّ شابّاً في زهرة عمره، في سنّ السابعة عشرة، ويعيش في مغارة في جبل صافي؟ هذا الشاب، لو أراد الدنيا، يستطيع أن يكون في فرنسا، فكلّها شهوات ولذائذ. هذا الشاب يستطيع وهو في مقتبل العمر أن يحصّل ما يريد، لكنّه تخلّى عن دنيانا، تركنا، وحبس نفسه لله في مغارة.. ثم كان أقصر طريق له إلى الله الشهادة. أليست كلّ هذه الأدلة كافية للبرهان على صدق هؤلاء؟

* دماؤكم الطاهرة طريق التحرير
يا أبناء المقاومة الإسلاميّة الطاهرة، يا شيخ الشهداء، أيّها الشهداء، صدّقكم حتّى الطفل في فلسطين، صدّقكم أبناء الانتفاضة، رأوا فيكم لأول مرة أملهم وحلمهم الكبير. لم يصدّقوا طيلة السنوات الماضية كلّ الزعماء العرب، كذّبوهم وعاشوا في ظلال ادّعاءاتهم اليأسَ والقنوط. بينما عندما رأوا دماءكم، رأوا فيها المنارة.. رأوا في كلّ قطرة من دمائكم الطاهرة طريقاً لهم إلى التحرير، ودليلاً على أنّ التحرير بات قريباً بإذن الله. يكفي أن يصدّقنا هذا الطفل البريء في فلسطين. وبعد أن يصدّقنا يستعدّ لأن يتحمّل مسؤوليّة المواجهة مع العدو الإسرائيلي بكلّ جبروته، وليس في يده إلّا الحجر.

* لن أصافحك
إنّ هذا العالم الإسلامي على امتداد بقاع الأرض آمن بكم أيّها الشهداء. آمن بشيخ الشهداء وبصدق موقفه.. رأى أنّه الوحيد الذي يحرّم على نفسه حتّى مصافحة العدوّ الإسرائيليّ. عندما دخل ضبّاط العدوّ الإسرائيليّ إلى بيت الشهيد من أجل أسره، تقدّم الضابط الإسرائيليّ وهو يمدّ يده، وكان يتصوّر أنّ الشيخ سيخاف، وسيرتعب من منظر القوّة، وسيمدّ يده للمصافحة، لكن يد الشهيد العزيزة بقيَت في مكانها وقال للضابط: "لن أصافحك". حتّى في داخل فلسطين عندما مدّ المحقّق يده والشهيد في السجن، في الأسر، مدّ يده ليسلّم على الشهيد فرفض. قال له: لماذا تحرّض الناس علينا يا شيخ؟ قال: "أريد منكم أن تخرجوا من المنطقة"، فقال له: "من أين.. من لبنان؟"، قال له الشيخ: "لا، حتّى من فلسطين، يجب أن تخرجوا من هنا. هذه المنطقة ليست لكم".

* راية المقاومة صادقة
عندما يرى المسلمون في العالم موقفاً بهذا المستوى سيصدّقون، نحن ندعو إلى أن تُسفك الدماء في قنواتها الطبيعيّة، تحت راية الحقّ، عندما نقول إنّ المقاومة يجب أن تكون على أساس الإسلام والمبادئ الإسلامية، وعلى أساس فكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي جسّده الإمام الخميني قدس سره ويستمر في تجسيده آية الله الخامنئي دام ظله، وعندما نصرّ على ذلك فلأننا نعرف أنّ هذه الراية راية صادقة، لا يمكن أن يكون معها كذب. في الوقت نفسه لا نمانع من أن يكون أيّ أحد إلى جانبنا. كلّ مَن يريد أن يتشرّف بشرف المواجهة مع العدوّ الإسرائيلي فليتفضّل، وسيرانا في خدمته.

* نحن في خدمتكم
لقد وجّهنا مراراً دعواتنا إلى الجميع حتى يحملوا السلاح ضدّ العدوّ الإسرائيلي، وقلنا لهم: نحن في خدمتكم. حتى مَن نختلف معهم قلنا لهم: تفضلوا، نُقاتل جنباً إلى جنب، وسنكون في خدمتكم. المهمّ أن تتوجّه كلّ البنادق إلى العدوّ الإسرائيلي. إنّنا نريد من الجميع أن يبقوا صفّاً واحداً، وأن يوجّهوا دماءهم وسلاحهم إلى العدوّ الإسرائيلي؛ ولذلك قبلنا أن نتنازل عن كثير من الأشياء. المهم أن لا يكون هناك تنازل عن البندقيّة الواحدة في وجه العدوّ الصهيونيّ.

* وصيّة وتمنٍّ
والكلمة الأخيرة التي أختم كلمتي بها هي وصيّة وتمنٍّ.. وصيّة لأهلنا في البقاع الغربي.. نحن سنكون في خدمتكم دائماً، وسنعمل المستحيل وبأشفار عيوننا لنكون في خدمتكم، لكنّ الوصيّة الأساس أنّ المقاومة التي كانت دائماً في حمايتكم، والتي احتضنتموها بكلّ قوة، فقدّمت سُحمر ومشغرة الشهداء على هذا الطريق، وقدّمت ميدون وعين التينة وقليا ولبّايا وزلّايا وكلّ القرى قدّمت الشهداء على هذا الطريق، عربون وفاء على صدق موقفكم تجاه المقاومة.. وصيّتنا أن تقفوا ونقف إلى جانبكم صفّاً واحداً في مواجهة كلّ المؤامرات، وخصوصاً مؤامرات العدوّ الإسرائيليّ التي تستهدف المقاومة. فعندما يتكاتف الجميع في المواجهة، فإنّ النصر سيكون بإذن الله، حليفنا جميعاً.

أسال الله أخيراً لشيخ الشهداء الشيخ السعيد راغب حرب ولجميع الشهداء الرضوان والرحمة، وأسأل الله أن يبارك لنا هذا الأسبوع وهذا الاحتفال، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



(*) كلمة الشهيد السيد عباس الموسوي (رضوان الله عليه) في ذكرى شهادة الشيخ راغب حرب (رضوان الله عليه)، عام 1991م.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع