نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شهيد الدفاع عن المقدّسات وسام محسن شرف الدين (السيد نصر الله)


نسرين إدريس قازان

اسم الأم: نايفة عزّ الدين.
محل الولادة وتاريخها:
رشكنانيه 3/6/1977م.
رقم القيد:
13.
الوضع الاجتماعي:
متأهل وله 3 أولاد.
مكـان الاستشهاد وتاريخه:
الغوطة الشرقيّة 27/11/2013م.



هناك بالقرب من قبر أمّه، قلّب التراب بمعْوله وحفر قبره. أوصى أن يزرعوا حوله الزهور، وأن يرصفوه ويرشّوا الأرزَّ على جثمانه ويزغردوا له. وبعد ثلاثة أيام، جاءَ قبرَه مُخضِّباً لحيته ووجهه القمريّ بحنّاء دمه، وكأنّ السيّد وسام ودّع نفسه في هذه الدنيا؛ حضّر ترتيبات رحيله، وتفاصيل تشييعه وجنازته. كتب وصيّة طويلة لأولاده وزوجته تختصرُ عمراً سيأتي، ومضى بقلبٍ مطمئنٍ وبسمةٍ أدمتْ قلوب من عرفه ومن لم يعرفه.


لقد حفل عمرُ وسام بالأحبّة الراحلين؛ حتّى قلبه الذي ألف الحزن وأدمَنَ الصبر، صار يخشى أن يتسرّب حبُّ أحد إليه فيفقده.

* اتّسع المنزل بمحبّة العائلة

في منزل أهله الصغير في بئر العبد، تربّى وسام وإخوته، وقد اتّسع ضيق البيتِ لضجيجهم ولعبهم؛ ولم يكن للحاجة الماديّة أن تُشعر الأبناء بأي سوء، فجوّ المحبّة والإيثار والتعاضد قد خيّم على كلّ شيء في منزلهم، فتراهم يلعبون بسعادة؛ ولا تخلو ألعابهم من لعبة المقاومة و"إسرائيل".

كان وسام مجتهداً في دراسته. درَسَ الهندسة في المهنيّة، ثمّ انتقل إلى دراسة العلوم الدينيّة، التي لم يستطع التبحّر فيها طويلاً؛ إذ كان لا بدّ له من أن يتصدّى مع والده لمتاعب الحياة. لقد كان محتضناً لكلّ من حوله، فإن كان متعباً يخفّف عن الآخرين، وإن كان محتاجاً يساعدهم. وحينما يكون محزوناً تزدادُ فكاهته المعهودة وخفة ظلّه التي طالما خيّمتْ حيثما حلّ.

* جهاد العمل.. والجهاد
عندما نزل ميدان العمل، لم يكترث وسام لطبيعة العمل الذي يستطيع القيام به، بل ما أهمّه أن يُتقنه، فالعمل جهادٌ مهما كان عنوانه، فاشتغل حيناً في محل والده لبيع أدوات التنظيف، وتارة في الطلاء، وأخرى في محل صغير له.

كم هي جميلة أحياء بئر العبد الموسومة جدرانها بشعارات الثورة الخمينيّة. فبين أزقّتها نشأ وسام وصديقاه المقرّبان الشهيدان عمّار حمود وحسين شلهوب، وتلازموا تلازم النبض والحياة، وتربّوا في كنف كشافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف صغاراً، وكبروا ليلتحقوا معاً بالدورات العسكريّة وليتشاركوا المهمّات الجهاديّة.

* مع عمّار في ليلته الأخيرة

كان وسام هو الشاهد الوحيد على ليلة الاستشهاديّ عمّار حمّود الأخيرة؛ إذ سمعه في تلك الليلة يُتمتم وكأنّه يتحدّث مع أحد. فإذا ما انبلج الفجر، سأله وسام مع من كان يتحدث، فأسرّ له أنّه رأى أمير المؤمنين عليه السلام في الرؤيا وبشّره بنجاح عمليّته الاستشهادية.
كان رحيلُ عمّار هو الصّدعَ الثاني في قلب الشاب الذي فقد أمّه بعد صراع مع المرض، ولم يمضِ وقت طويل حتّى لحق بها أبوه، فأخذ وسام إخوته الأربعة ليسكنوا معه في بيته الزوجيّ في الجنوب وتكفّلَهم، ثمّ ما لبث أن شيّد لهم منزلاً خاصّاً ليمنحهم الشعور بالطمأنينة والاستقلاليّة.

* في صفوف المقاومة الإسلاميّة

وكما تحضنُ الأمّ أطفالها، حضن وسام إخوته إلى جانب أولاده، وحاول جهده عدم التقصير أمامهم خصوصاً بعد أن تفرّغ بشكل كامل في صفوف المقاومة. وقد عمل لفترة من الزمن مرافقاً شخصيّاً لسماحة الشيخ عبد الكريم عبيد، وأوصاه بتغسيله وتكفينه والصلاة عليه إذا ما استشهد. منذ أن كان قائداً في كشافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، تسرّب حبّه إلى قلوب الفتية، فهو معجون بالطيبة والفطرة والإيمان العميق واليقين الصادق، وكانت علاقته مع الله سبحانه وتعالى وعلاقته بأهل البيت عليهم السلام خاصّة، فلم يُذكر أن وقع وسام في بلاء، أو احتاج إلى شيء إلّا وطرق بابهم عليهم السلام، وبأيديهم يكشفون غُمّة قلبه.

* يمزح ويضحك رغم الجراح

وفي العام 2008م، استشهد حسين شلهوب، ليترك وسام وحيداً في ساحة من الذكريات والحسرة على البقاء في هذه الدنيا، فضاق ذرعاً بالحياة. وعلى الرغم من عدم وجود إشارات إلى نشوب حربٍ، إلّا أنّه أصرّ على نقل عمله إلى ساحة العمل العسكريّ، فكان من أوائل الذين لبّوا نداء الجهاد دفاعاً عن حرم العقيلة زينب عليها السلام.

تعرّض وسام خلال مشاركاته الجهاديّة إلى بعض الإصابات، وكان في الغالب ينقلها إلى زوجته ورفاقه عن طريق المزاح، وهو الذي تميّز بالبشاشة وسرعة البديهة في إلقاء النكات، كما تميّز بالجديّة أمام الخطأ، فقد أحبّ أن يقيس الآخرون تصرفاتهم ويزنوا كلامهم كي لا تُفقدهم المواقف ماء وجوههم.

* يتألّم شوقاً إلى الرحيل

في سوريا، تعرّف وسام إلى الشهيد علي مسلم وهبي الذي كان صديقاً حنوناً في المحور، يستيقظُ صباحاً ويحضّر القهوة ليحتسيها ووسام الذي كان يجد لذّة في طعمها المرّ؛ لأنّها في ساحة المعركة. وسرعان ما عاد الفراقُ إلى عتبة حياة وسام، فاستشهد رفيقه لتصير أيامه مرّة وهو يتقلّبُ شوقاً إلى الرحيل.

وحين يقتربُ الأجل، يشرقُ الوجه بجمالٍ ملائكيّ لمن صلُحتْ سريرته، فازداد جمال وسام جمالاً، وانعكس نورٌ في جبهته، وأرخى بظلٍّ قاتمٍ على القلوب التي خشيت من فراقه، وصار يُدلي بوصاياه لإخوته وعائلته ورفاقه، وقد أخبرَ أولاده أنّه حين يُستشهد فهم سيصبحون أيتاماً كأولاد الإمام الحسين عليه السلام، وشرح لهم مسؤوليّتهم كأبناء شهيد في الحياة.

قبل انطلاقه إلى عمله، شارك في تشييع رفيقه الشهيد ربيع مرعي. والغريب أنّه صار يعاتبه على رحيله بالطرائف والنكات. وحدهم الذين يعرفون السيّد وسام حقّ المعرفة، أدركوا لمّا سمعوه أن الخابية فاضت بما فيها، وأنّه ما عاد يتحمّلُ البقاء.

* المهمّة الأخيرة

بعد أن حفر قبره، قضى وسام ليلةً بكاملها على ضريح صديقه الشهيد علي وهبي ملتحفاً راية كان قد باركها بمقام الإمام الحسين عليه السلام. وانطلق إلى مهمّته الأخيرة بأبهى حلّة، حتى خُيّل لمن رآه أنّه ذاهب إلى زفافه وليس إلى أكثر المناطق خطورةً في المعركة؛ الغوطة الشرقية وفي منطقة العتيبة. هناك كان وسام ورفاقه يخوضون مواجهة باستبسالٍ قلّ نظيره. فإذا ما تناهى إلى سمعه استنجاد أحد الرفاق توجّه إليه مباشرةً لإنقاذه غير عابئٍ بخطورة الطريق، فأصابته رصاصة في خاصرته، فجثا على ركبتيْه وهو يتلقّفُ الدماء بيده، وسارع إلى تخضيب لحيته وهو يقول: "اللهمّ تقبّل منّا هذا القربان. أرضيت يا ربّ؟ خُذ حتى ترضى"، وارتسمت ابتسامةُ أهل الآخرة على شفتيه، ورمق السماء مع آخر نفسٍ له، فظلّت تلك الابتسامة على وجهه حتى وُوْري في الثرى.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع