صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

مع الإمام الخامنئي: مَن أنصاري إلى الله؟(*)



﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ (الصف: 14).

* كونوا أنصار الله
هذه آخر آية من سورة الصفّ المباركة، والتي يُمكن أن تُسمّى أيضاً «سورة الجهاد». وفي هذه الآية الشريفة يحثّ الله سبحانه وتعالى الناس المؤمنين، المخاطَبين بالخطاب القرآنيّ، ويُشجّعهم، بأسلوب آخر، على الجهاد في سبيل اللّه، وفي سبيل نُصرة الإسلام ونُصرة القيَم الإلهيّة. فالله تعالى يُشبّه المؤمنين، ويشبّه أنصاره في زمن الإسلام، هذا الدِّين المقدّس، بالأنصار والمؤمنين بالله في زمن النبيّ عيسى عليه السلام. يجعل بعضهم مماثلين لبعضهم الآخر، ويُبيّن لهؤلاء مصير أولئك.

* اتّباع الحقّ والجهاد
ومن الواضح طوال التاريخ، أنّ هناك قانوناً واحداً في هذا المجال، وخطاب اللّه سبحانه وتعالى للمؤمنين هو خطاب واحد دائماً. فالأنبياء هم الرسل الإلهيّون الذين بُعثوا ليُوصلوا رسالة واحدة وخطاباً واحداً، لكلّ الناس في كلّ العصور والقرون والدهور.

وذلك الخطاب هو اتّباع الحقّ والجهاد لنصرة الحقّ على الباطل. وذلك الحقّ -الذي ينبغي السعي لأجله- هو الحقّ الفطريّ الصافي الذي يُعدّ الإيمان بالله وبالقيامة، وبالإنسان، والإيمان بالتكامل البشري في سبيل الله أجزاء فصوله وأبوابه. وجميع المؤمنين في كلّ عصور التاريخ يجب أن ينصروا الله ودينه، ويعلموا أنّهم إذا نصروا دين الله، فإنّ الله سينصرهم كذلك. هذه هي خلاصة الحقيقة المندرجة في هذه الآية.

يُمكن أيضاً أن نستخلص من مجموع السورة عدّة نتائج، ففي كل هذه السورة كان التحريض على الجهاد وبثّ الأمل والتبشير بالنصر النهائيّ، وكانت أيضاً جهود ومساعي الكفّار وأصحاب الطاغوت وأهل الباطل لأجل تدمير الحقّ والقضاء عليه، وأنّ هذه المساعي لن تصل إلى غايتها. وقد بُيِّنت كلّ هذه الأمور تقريباً في هذه الآية على شكل خلاصة من خلال التشبيه بالأزمنة الماضية وأنصار حضرة عيسى.

* نصرة في طاعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والوليّ
يقول الله تعالى في الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ﴾، ولا يقول صيروا أنصار الله؛ لأنّ المؤمنين هم أنصار الله، وبإيمانهم قد نصروه، بل يقول ابقوا كما أنتم أنصاره. وكلّما مرّ الزمان، زيدوا من نصرتكم لله. ونصرة الله هي نصرة دينه ونصرة المعارف والحقائق الّتي تمّ بيانها بواسطة الأنبياء للناس. وكذلك هي محبّة الله أيضاً، فمحبّة الله هي محبّة دينه ومحبّة نبيّه. الحبّ الإلهيّ هو مقام عالٍ جدّاً وعظيم، بحيث يصل إليه العرفاء العظام والعباد المخلصون، لكنّ الأثر العمليّ لهذه المحبّة هو في اتّباع النبيّ. ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ﴾ (آل عمران: 31).

هذا المعنى موجودٌ أيضاً في سائر آيات القرآن الكريم، وهو أنّنا إذا كُنّا مرتبطين بالله فلا بدّ من أن يتّخذ هذا الارتباط شكل الارتباط بنبيّ الله وبدين اللّه وبأولياء اللّه. حتّى في الزمن الذي لا يكون فيه النبيّ موجوداً في هذه الدنيا، فالمعيار والشاخص أيضاً هو خليفة النبيّ؛ ولذلك يقول سبحانه وتعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ (النساء: 59). إنّ طاعة الله تكون في شكل إطاعة قوانينه، هذه القوانين والشرائع الواضحة والمدوّنة والمشخّصة.

* عمل شاقّ وصعب
حسنًا، هذا الخطاب هو للمؤمنين: يا أيّها الذين آمنوا انصروا دين الله. وبالتأكيد، لو أنّ هذا العمل كان سهلاً ومن دون مشقّات وآلام لما كان التأكيد عليه بهذا المقدار، ولما جرى تشبيهه وضرب مثاله ببني إسرائيل وأصحاب عيسى عليه السلام، ولكنّ هذا العمل هو أصعب وأشقّ الأعمال، وليس في هذه الدنيا أيّ عمل آخر أكثر تعباً ومشقّة وجهداً من نصرة الله ونصرة دينه. لماذا؟ لأنّ الإنسان عندما يسير في خطّ نصرة الله، فإنّ كلّ القوى المعادية لله تحتشد ضدّه وتتعبّأ لمواجهته. كلّ الذين لا يقبلون دين الله ولا يعترفون بالله ولا يُحبّونه ويشعرون أنّ دينه يُضيّق عليهم بنحو من الأنحاء، ويُعارض مصالحهم سيقفون في وجه ذلك الشخص الذي ينصر الله سبحانه وتعالى.

نصرة الله محفوفة بالمشقّات، ولأنّها شاقّة ومؤلمة جاء التأكيد عليها وإيراد التشابيه والأمثلة لها من الماضي حتّى يتشجّع المؤمنون على القيام بهذا العمل الشاقّ والمتعب.

* كونوا من نجوم التاريخ المشرقة
تُلاحظون أنّ من بين كلّ ذلك الجمع الّذي كان يعيش في زمن النبيّ عيسى عليه السلام لم يتجاوز عدد الحواريّين اثنَيْ عشر شخصاً. اثنا عشر مؤمناً من بين كلّ أولئك الناس، كانوا مستعدّين لأن ينصروا عيسى عليه السلام. نعم، هذا العمل صعبٌ ومتعبٌ.
وأنتم أيضاً كذلك، إذا نصرتم دين الله اليوم ستكونون كمسلمي صدر الإسلام، نجوم هذا التاريخ المشرقة، وستكونون كحوارييّ عيسى عليه السلام أيضاً. إنّ دين الله في كلّ الأزمان واحد، ونصرة دين اللّه في كلّ الأزمان لها القيمة نفسها والسموّ نفسه، مثلما لها الخير والبركة ذاتهما.


(*) قسم من دروس سماحة الإمام الخامنئي دام ظله ضمن سلسلة جلسات تفسير القرآن في العامَيْن 1982م و1983م.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع