نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الإعانة على الإثم والعدوان



قبل البدء في الحديث حول الإعانة على الإثم والعدوان، لا بد من التفصيل بين المعاملة التي تدخل في إطار التعاون على الإثم، وبين تلك التي تدخل في إطار التعاون على العدوان، وهي المسماة في عرف الفقهاء بـ"معونة الظالمين" وذلك تبعاً للآية الشريفة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.

* الإعانة على الإثم:
الظاهر أن مفهوم الإعانة كسائر المفاهيم التي لا يمكن تحديدها إلا بنحو التقريب، والإعانة على الإثم بناءً على ذلك هي عبارة عن توفير المقدمة لمن يريد أن يرتكب ذنباً أو مساعدته للوصول إلى فعل الحرام.
والبحث في هذا الباب ينقسم إلى قسمين:
الأول: حول الأعمال التي تعتبر مقدمة للحرام.
الثاني: حول خصوص العمل لإصدار كتب الضلال ومجلات الفساد ونحو ذلك.

في مقام الإجابة عن القسم الأول ينبغي التنبيه إلى أن مشاركة أي إنسان في ارتكاب الحرام هو عبارة أخرى عن فعل الحرام هذا واضح لا كلام فيه، إنما الكلام في توفير مقدمات الحرام وهذا له صورتان:
الأولى: إذا اشتغل الإنسان بما لم يكن سبباً تاماً للحرام، ولم ينحصر وجه استعماله في الحرام جاز العمل ولا إشكال في ذلك، ومثاله العمل في بناء الفنادق أو بيع الألبسة النسائية التي يحرم لبسها أمام الأجانب وغير ذلك.
الثانية: إذا اشتغل الإنسان بما كان علة تامة للحرام بحيث يلزم من الإتيان بالمقدمة إيجاد نفس الحرام حَرُمَ العمل بلا إشكال، ومثاله بيع العنب لمن يصنعه خمراً، أو العمل في المطاعم لتقديم الخمور، أو تقديم الطعام في شهر رمضان للمفطر دون عذر ونحو ذلك.
إذاً القاعدة هي "كل ما كان سبباً تاماً لحصول نفس الحرام يحرم العمل به وما عداه لا بأس به".

أما في ما يتعلق بالعمل لإصدار كتب الضلال وشبهها فالبحث فيها يتمحور حول نقطتين:
الأولى: في بيان ماهية كتب الضلال.
الثانية: في بيان حكمها.

في ما يختص بالنقطة الأولى صرّح أكثر فقهائنا الأعلام رضوان اللَّه عليهم أن المراد بكتب الضلال هي التي وضعت بهدف إضلال الناس وأغوائهم وإفسادهم، سواء في الاعقادات أو في الفروع وسواء كانت كتباً أو صحفاً أو مجلات أو غير ذلك، من قبيل الكتب الموضوعة من قبل بعض الفرق والمذاهب الباطلة ضد الشيعة والتشيُّع، أو ضد الإسلام عموماً. أو تلك المشتملة على الكتب والسخرية والألفاظ الدنيئة بهدف إشعال الفتن وإيقاظ حالة البغض والعداء بين النفوس، أو كتب الحكماء القدماء القائلين بقدم العالم وعدم المعاد، أو كتب عبدة الأصنام ومنكري الصانع تعالى أو كتب الأديان السماوية المحرّفة كالتوراة والإنجيل وما إلى ذلك.
ويلحق بها المجلاّت والروايات والقصص الهادفة إلى الإفساد الخُلُقي والانحراف السلوكي أو المشتملة على الصور الإباحية التي تثير الشهوات والغرائز الحيوانية الدافعة إلى ارتكاب المحرّمات.

أما في ما يعود إلى النقطة الثانية فقد أجمع فقهاء المذهب الجعفري عليهم رضوان اللَّه على حكمين تكليفيين:
الأول:
حرمة عملها وحفظها عن ظهر قلب والمحافظة عليها وطبعها وبيعها وشرائها وقراءتها ودرسها وتدريسها وما إلى ذلك إلا إذا كان قاصداً من مطالعتها نقضها وإبطالها وكان أهلاً لذلك ومأموناً من الضلال.
الثاني: وجوب إتلافها لأنها مادة إفساد وإضلال وقد نهى الشارع المقدّس عن الفساد في الأرض بقوله تعالى:  ﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ .
لكن ماذا لو أمّن المكلفِ من الضلال هل يبقى وجوب الإتلاف نافذاً؟
الجواب: نعم، وجوب الإتلاف يبقى نافذاً على أغلب الناس من العوام إلا النزر اليسير من العلماء القادرين على دفع الشبهات وحل المغالطات.
من خلال ما تقدم يظهر أيضاً حكم العمل لإصدار مجلات الفساد وحكم العمل في كل ما كان من شأنه الإضلال والإفساد.

* معونة الظالمين:
أما الحديث حول الإعانة على العدوان، وهي التي تسمى في اصطلاح الفقهاء بـ"معونة الظالمين"، فقد أجمع علماء الفقه الجعفري عليهم رضوان اللَّه على حرمة إعانة الظالم على الظلم والعدوان، واعتبرت معونة الظالمين من الكبائر العظام والموبقات المهلكة التي يستحق عليها الإنسان دخول النار، وقد ورد التشديد على حرمتها في الكتاب والسنة، ففي القرآن الكريم إضافة إلى آية التعاون قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ [هود/ 113]" وفي السنة الشريفة قول الإمام الصادق عليه السلام: "إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين الظلمة؟ أين أعوان الظلمة؟ أين أشباه الظلمة؟ حتى من برى لهم قلماً أو لاقى لهم دواة، قال: فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرمى بهم في جهنم".
وفي معنى الآية الآنفة الذكر جاء في تفسير منهج الصادقين قوله: الركون المنهي عنه في الآية الشريفة هو بمعنى الميل اليسير مثل إظهار محبتهم ومخالطتهم ومصاحبتهم ونحو ذلك فكيف بالميل الكثير إليهم مثل اتباع أوامرهم وإعانتهم على الظلم والاشتراك معهم فيه؟

سئل الإمام الكاظم عليه السلام ما تقول في أعمال السلطان؟
أجاب عليه السلام "الدخول في أعمالهم، والعون لهم، والسعي في حوائجهم، عديل الكفر، والنظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحق بها النار".
إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين الظلمة؟ أين أعوان الظلمة؟ أين أشباه الظلمة؟ حتى من يرى لهم قلماً أو لاقى لهم دواة قال: فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرعى بهم في جهنم.

* مراتب أعوان الظالمين:
الظلم هو عبارة عن تجاوز حدود اللَّه ومخالفة ما أقرّه الشرع والعرف قال تعالى:  ﴿ الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ  (البقرة/ 229).

* لكن الظالمين على أقسام:
منهم من يتعدّى حدود اللَّه مع نفسه كالمشرك وتارك الصلاة وشارب الخمر ولاعب القمار وغيرهم. قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ  (فاطر/ 32).
ومنهم من يصدر منه الظلم أحياناً وفي بعض المرات كمن يعتدي على إنسان آخر ظلماً وعدواناً دون حق أو يهتك حرمته أو يسرق ماله أو غير ذلك.
ومنهم من يكون شغله الظلم كالسلاطين وحكَّام الجور والأعداء المحتلّين للأرض والمقدّسات واللصوص وقطاع الطرق وغيرهم.
الكلام نا ينحصر حول المورد الأخير فقط، دون الموردين الأوليين.
ولكن قبل البدء لا بد من الإشارة إلى أنه لا إشكال عند أحدٍ من المسلمين في حرمة الظلم والعدوان كيفما كان لأن الظلم قبيح بحكم العقل عند كل إنسان وكل ما حكم به العقل حكم به الشرع وهذا أيضاً لا بحث لنا فيه، إنما الذي نود بحثه يتلخص في بيان الموارد المحرّمة من معونة الظالمين.
فهل إعانة الظالم على ظلمه فقط هو المحرّم؟
أو كل عملٍ يعد به الإنسان عرفاً من اتباعهم هو المحرّم؟
أو أن كل عملٍ فيه إعانة للظالم حتى في المباتحات يعتبر محرّماً؟
فهذه ثلاث صور لمعونة الظالمين:
الأولى: معونة الظالم على ظلمه.
الثانية: التسجيل في ديوان الظلمة.
الثالثة: معونتهم في المباحات.

* لا خلاف عند أحد في حرمة الصورة الأولى من معونة الظالمين نظراً إلى أن كل ما ورد من الآيات والروايات دالٌّ على حرمتها واعتبارها من الذنوب الكبيرة التي يستحق صاحبها دخول النار، ومن أظهر مصاديق معونة الظالم وأبرز مواردها لدخول معهم ومشاركتهم في أعمالهم تحت أي عنوان كان يوجب ازدياد شوكتهم وقوتهم، حتى لو لم يستتبع عمله أي ظلم لأحد كالخادم والطبّاخ ونحو ذلك، فكيف إذاً كان مقاتلاً أو مراقباً أو صاحب منصب ومقام.
يقول الإمام الصادق عليه السلام "أما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر، وولاية ولاته، الرئيس منهم وأتباع الوالي، فمن دونه من ولاة الولاة إلى أدناهم".

* الصورة الثانية من موارد معونة الظالم هي معونته في أي أمر يكون سببا في تصنيف العرف له في عداد أعوان الظالم وعملائه كمصاحبتهم وتعظيم ذكرهم ومداهنتهم وما إلى ذلك مما يعدّه العقلاء ركوناً إليهم أو يستفاد منه انتسابه إليهم وتسجيل اسمه في سجلاتهم.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "من سوّد اسمه في ديوان ولد سابع(1) حشره اللَّه يوم القيامة مسوّداً وجهه".
أضف إلى ذلك أن الشارع المقدّس قد جعل الراضي بأفعال الظالم شريكاً معه في الإثم والعقوبة حتى من دون أي عملٍ آخر.
قال الإمام الصادق عليه السلام: "العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم".
ومعنى شركاء أنهم في نفس الدرجة من العقوبة، والعقوبة هي كما قال تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا  [الكهف/ 29].

* الصورة الثالثة في المعاملة معهم في المباحات:
تقرّر عند معظم فقهاء مذهب أهل البيت عليه السلام حرمة المعاملة مع الظالمين مطلقاً حتى في المباحات فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله ليونس بن يعقوب: "لا تعنهم على بناء مسجد" ومعلوم أن المسجد من المستحبات فكيف بالمباحات.
وع ابن أبي يعفور قال كنت عند أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له: جعلت فداك، إنه ربما أصاب الرجل منّا الضيق أو الشدة فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يركيه أو المساة يصلحها، فما تقول في ذلك؟
أجاب عليه السلام "ما أحب إني قدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء وإن لي ما بين لابتيها، لا ولا مدة بقلم، أن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم اللَّه بين العباد".
لكن المقرر عند الإمام الخميني رضوان الله عليه حرمة إعانة الظالمين في الموردين الأوليين دون المورد الثالث، بمعنى إذا كان عمل الإنسان لا ينطبق عليه عنوان الإعانة على الظلم فهو جائز كما إذا اشتغل عند حكومة ظالمه في التعليم أو في دائرة الإحصاء مثلاً، فقد جاء في تحرير الوسيلة قوله "معونة الظالمين في ظلمهم، بل في كل محرّم حرام بلا إشكال، وأما معونتهم في غير المحرّمات ـ أي في المباحات ـ فالظاهر جوازها ما لم يعد من أعوانهم وحواشيهم والمنسوبين إليهم، ولم يكن اسمه مقيّداً في دفترهم وديوانهم، ولم يكن ذلك موجباً لازدياد شوكتهم وقوتهم".

من هنا نستنتج أن الإعانة على الظلم والعدوان لمّا تصير موجبة لتشويق العصاة على عملهم وجرأتهم على الظلم نهى الشارع عنها نهياً شديداً لأن الظلم عندما يرى نفسه وحيداً في الظلم دون ظهير ولا معين فقد يوجب ذلك ضعفه وبالتالي تركه للظلم، بينما لمّا يجد المعين يوجب ذلك جرأته على متابعة ظلمه، لذلك نهى الشارع المقدّس عن الإعانة على العدوان لأنها تهيىء أسباب المعصية إضافة إلى وجوب قلع مادة الفساد من أساسها وإلى هذا المعنى أشرت الرواية الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام "لولا أن بني أمية وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيىء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقّنا".


(1) أي في ديوان بني العباس وكلمة سابع مقلوب عباس حيث ذكرت بهذا الشكل للتقية.



 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع