صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

شخصية العدد: عدي بن حاتم الطائي: الفرع الطيّب

الشيخ تامر محمد حمزة


عَدِيّ بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس، ويكنّى بأبي طريف وأبي وهب. أبوه حاتم الطائيّ الذي ضُرب به المثل في الجود والكرم، حيث كان من أكرم العرب وأجوَدهم. وقد ورث عديّاً تلك الخصال الحميدة عن أبيه. وأمّه ماوية بنت عفزر من بنات ملوك اليمن. وكانت تحبّ الكرم وتوقّر الكرماء.

وفي كرمه يقول الشاعر:

ومن يُشابه أبَهُ فما ظلَمْ

بأَبه اقتدى عَدِيّ في الكرمْ


•مع الأسرى إلى النبيّ

تولّى عَدِيّ رئاسة قومه قبيلة (طيّ) بعد وفاة أبيه. وكان عَدي يدين بـ"الركوسيّة"، وهي دين مندثر بين اليهود والمسيحية. أما قبيلته فكانت تدين بالمسيحية حين ظهور الإسلام.
يُنقل إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام لغزو قوم عديّ، وقد كان عديّ في بلاد الشام في ذلك الوقت، وعلى إثر الغزوة سِيق قومه أسرى، وبينهم سفانة بنت حاتم الطائيّ أخته. وكان لإسلامها الأثر البليغ في نفس أخيها عَدِيّ والكثير من عشيرتها، حيث إنّهم أظهروا إسلامهم. ولا بأس بالإشارة إلى ما جرى بين سفانة والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

بعد أن انتهت، مع الأسرى، إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قالت له: يا محمّد، إنْ رأيت أن تخلّي عنّي فلا تشمت بي أحياء العرب؛ فإنّي ابنة سيّد قومي، وإنّ أبي كان يقري الضيف، ويشبع الجائع، ويفرّج عن المكروب ويفشي السلام ويُطعم الطعام، ولم يردّ طالب حاجة قطّ.
فقال لها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: يا جارية هذه صفة المؤمن حقاً، لو كان أبوك مسلماً لترحّمنا عليه. خلّوا عنها، فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق، واللهُ يحبّ مكارم الأخلاق(1).

•كيفيّة إسلامه
كان عَدِيّ من ألدّ أعداء الإسلام؛ لأنه اعتبر أنّ زعامته لقبيلته مهدّدة. ولكن بعد أن أسلمت أخته سفانة وفد على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عام سبعة للهجرة لاستكشاف أمر الرسول الجديد. ولمّا وصل المدينة قابل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في مسجده، ولاحظ أنه لا يدّعي الملك أو الزعامة، واصطحبه صلى الله عليه وآله وسلم إلى داره.

وممّا قاله النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم له: "لعلّه يا عَدِيّ بن حاتم إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين لما ترى من حاجة المسلمين وفقرهم. فوالله ليوشكنّ المال أن يفيض فيهم حتّى لا يوجد من يأخذه. ولعلّه إنّما يمنعك من الدخول في هذا الدين أنّك ترى أنّ المُلك والسلطان في غيرهم، فهم ضعاف. وأيم الله لتوشكنّ أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم، وأنّ كنوز كسرى قد صارت إليهم". وبعد هذا الحوار أسلم عَدِيّ على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(2).

•عديّ مع أمير المؤمنين عليه السلام
لقد فاز عَدِيّ بحضوره إلى جنب أمير المؤمنين عليه السلام في مجمل المعارك(3). وكان من قادة الجيش، كما كان مِن جملة الذين اختارهم أمير المؤمنين عليه السلام لمناظَرة معاوية في معركة صفّين. لما دخل عليه عَدِيّ وقف خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّا أتيناك لندعوك إلى أمر يجمع الله به كلمتنا وأمّتنا ويحقن الله به دماء المسلمين، وندعوك إلى أفضلها سابقة، وأحسنها في الإسلام آثاراً، وقد اجتمع له الناس، وقد أرشدهم الله بالذي رأوا فأتوا، فلم يبق أحد غيرك وغير مَن معك، فانتهِ يا معاوية من قبل أن يصيبك الله وأصحابك بمثل يوم الجمل(4).

•عَدِيّ مع الإمام الحسن عليه السلام
لم يملّ عديّ بن حاتم ولم يكلّ، واستمرّ على مواقفه بعد شهادة أمير المؤمنين، مع الإمام الحسن عليه السلام. وكان مقداماً في المواقف السياسية، كما إنّه كان كذلك في مواقفه العسكرية. وذكر بعضهم أنّه لما دعا الإمام الحسن للخروج إلى محاربة معاوية وقف خطيباً وقال: "أنا ابن حاتم، سبحان الله ما أقبح هذا المقام! ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيّكم؟ أين خطباء مُضر؟ أين المسلمون؟ أين الخوّاضون من أهل المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدّعة، فإذا جدّ الجدّ فروّاغون كالثعالب؟ أما تخافون مقت الله ولا عيبها وعارها؟!

ثم استقبل الإمام الحسن عليه السلام بوجهه فقال: أصاب الله بك المراشد وجنّبك المكاره، ووفّقك لما يحمد وِرده وصدره، فقد سمعنا مقالتك وانتهينا إلى أمرك وسمِعنا منك وأطعناك فيما قلت وما رأيت، وهذا وجهي إلى معسكري، فمن أحبّ أن يوافيني فليوافِ.
ثم مضى لوجهه، فخرج من المسجد ودابّته بالباب فركبها، ومضى إلى النخيلة وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه، وكان أوّل الناس عسكراً"(5).

•من أهمّ مواقفه التاريخية
أولاً: أبلى بلاءً حسناً في فتح العراق وواقعتَي القادسيّة ومَهران.

ثانياً: واجه الوليد بن عقبة حين شرب الخمر، وكان أحد المشاركين في عَزله عن ولاية الكوفة.

ثالثاً: كان من المبايعين الأوائل لأمير المؤمنين عليه السلام، وعمل على توجيه قبيلته كالصفّ المرصوص نصرةً لولايته عليه السلام.

رابعاً: فاز بثقة الإمام عليّ عليه السلام وبشجاعته في ساحات الجهاد عندما أوكل إليه وإلى محمد بن أبي بكر قلب العسكر في معركة الجمل وعيّنه على رجالاتها.

خامساً: من المواقف المهمة له في تاريخه أنه قتل المشجّع بن بِشر الجذاميّ وهو يهمّ باغتيال أمير المؤمنين. وقضى أيضاً على أكثر الناس شتماً لعليّ عليه السلام، همام بن قبيصة النميريّ، وهو على رأس هوازن فسلبه لواءه.

سادساً: في ما يتعلق بالصلح في صفّين، أقبل عديّ ووبّخ الحَكَمين، متّهماً إياهما بالتخاذل، وهو الذي اختاره أمير المؤمنين عليه السلام ليَشهد على كتاب الصلح وغير ذلك من المواقف التي تحكي لنا شخصيّته وتصف لنا ثباته وبصيرته وإخلاصه.

•عَدِيّ رجل التحدّي
ذهبت عينُه في معركة الجمل، مضافاً إلى استشهاد أولاده الثلاثة. وقد ورد أنّ عَدِيّاً دخل ذات يوم على معاوية وعنده عبد الله بن الزبير، فقال له ابن الزبير: يا أبا طريف متى ذهبت عينك؟ قال: يوم فرّ أبوك منهزماً، وضربت على قفاك وأنت هارب، فأنا مع الحقّ وأنت مع الباطل، فقال معاوية: ماذا فعل الطُّرفان (إشارة إلى أبنائه الثلاثة: طريف ومطرف وطرفة) قال: قُتلوا مع أمير المؤمنين عليه السلام، فقال له: ما أنصفك عليّ إذ قدّم أبناءك وأخّر أبناءه قال: بل أنا ما أنصفته، قُتل وبقيت بعده حيّاً(6).

فقال معاوية أما أنّه بقي قطرة من دم عثمان ما يمحوها إلّا دمُ شريفٍ من أشراف اليمن، فقال عَدِيّ: والله إنّ قلوبنا التي أبغضناك بها لفي صدورنا، وإنّ أسيافنا التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا، ولئن أدنيت من الغدر فَتْراً لندنينَّ إليك من الشر شبراً! وإنّ حزّ الحلقوم وحشرجة الحيزوم، لأهون علينا من أن نسمع المساءة في عليّ عليه السلام، فسلّم السيف يا معاوية لباعث السيف. فقال معاوية: هذه كلمات حكم فاكتبوها.

•وفاته
توفّي عَدِيّ بن حاتم أيام المختار الثقفيّ الذي دامت حكومته ثمانية عشر شهراً، من شهر ربيع الأول عام 66 إلى النصف من شهر رمضان عام 67 للهجرة. فإنْ كانت ولادته عام إحدى وخمسين قبل الهجرة فمعنى هذا أنه قد عاش (رحمه الله) مائة وست عشرة سنة.


1. تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج69، ص202.
2. تاريخ الطبري، محمد الطبري، ج2، ص377.
3. الكنى والألقاب، عباس القمّي، ج3، ص176.
4. بحار الأنوار، المجلسي، ج32، ص453.
5. أعيان الشيعة، محسن الأمين، ج8، ص144.
6. مقاتل الطالبيّين، أبو الفرج الأصفهاني، ص39.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع