نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شخصية العدد: الصاحب بن عبّاد: كافي الكفاة


الشيخ تامر محمد حمزة


الصاحب بن عبّاد هو أبو القاسم إسماعيل بن عبّاد بن عبّاس بن أحمد بن إدريس القزوينيّ المعروف بـ"الصاحب بن عبّاد"، و"كافي الكفاة" كما لقّبه به الشيخ الصدوق. كان من كبار علماء وأدباء الشيعة الإماميّة، وكان محدّثاً، ثقة، شاعراً مبدعاً، وأحد أعيان العصر البويهيّ. كان وزيراً ومن نوادر الوزراء الذين غلب عليهم العلم والأدب.

وُلد "الصاحب بن عبّاد" في 16 ذي القعدة سنة 326هـ في "اصطخر"، وقيل في "طالقان"، وقد غلب عليه اسم "الصاحب"؛ لأنّه صحب الملك "مؤيّد الدولة البويهيّ" من الصبا، وبحسب الظاهر هو الذي سمّاه بذلك، ثم لُقّب بهذا الاسم.

وقد نشأ "الصاحب بن عبّاد" في بيت فضل ووجاهة حيث إنّ أباه وجدّه كانا من وزراء الدولة البويهيّة.

•الصاحب بن عبّاد وزيراً
بعد وفاة أبيه عام 335هـ اتّصل بأبي الفضل بن العميد، فتتلمذ على يديه، وصار كاتباً، ثمّ اختير عام 347هـ لمصاحبة الأمير أبي منصور مؤيّد الدولة إلى بغداد. وعندما توفّي "ركن الدولة" سنة 366هـ آل الحكم من بعده في أصفهان وما تبعها إلى "مؤيّد الدولة"، فثبّت أبا الفتح (ابن أبي الفضل بن العميد) في خطّته وزيراً، وثبّت ابن عبّاد في خطّته كاتباً، غير أنّ خوف ابن العميد من تعاظم نفوذ ابن عبّاد جعله يسعى في الكيد له، فكان أن بعث الجند على الشعب ليقتلوه، وتدبَّر مؤيّد الدولة الأمر بحِكمته حتّى تمّ له التخلّص من ابن العميد، فقتله ونصب مكانه في الوزارة "ابن عبّاد"(1).

•شخصية الصاحب
أولاً: شخصيّته الإداريّة: ما فعله "الصاحب" من عمليّة ترميم وإصلاح بين الإخوة المتخاصمين في مركز القرار داخل السلطة عجز عنه الملوك والأمراء والوزراء، وكان لفعله هذا الأثر الطيّب عليه وعلى جميع أفراد العائلة الحاكمة، إذ قد روي أنّه لما توفّي "مؤيّد الدولة" عمل "الصاحب" على إحلال التفاهم بين إخوته واستطاع إقناع "فخر الدولة" بالعودة من خراسان وكان قد هرب إليها خوفاً من أخيه "عضد الدولة" والتجأ إلى "السامانيين"، كما مكّنه من تسلُّم السلطة فكافأه "فخر الدولة" بأن أبقاه وزيراً ومنحه ثقته التامة، فلم يكن يخالفه في أمره. وقصده الأدباء والشعراء وأصحاب الحاجات اعترافاً منهم بكرمه وتذوّقه للأدب وعلوّ منزلته، ويبدو أنّ "الصاحب" أراد أن يعرف قوة مركزه لدى "فخر الدولة" فطلب منه أن يعفيه من الوزارة فأجابه: لك في هذه الدولة من إرث الوزارة كما لنا من إرث الإمارة، فسبيل كلّ واحد منا أن يحتفظ بحقّه(2)، ولم يستجب لطلبه. وهكذا استمرّ محتفظاً بمنصبه نيفاً وثماني عشرة سنة حتّى وافته المنية.

ثانياً: شخصيّته العلميّة: كان "الصاحب" علماً من أعلام الأدب، فريد عصره في البلاغة والفصاحة والشعر، وقد أقام ديواناً يختلف إليه الأدباء والشعراء ويحضُره كبار الكتّاب والمناظرين. يذكر الحرّ العامليّ { في أمل الآمل أنّ له كتباً ومقاماً علمياً.

ثالثاً: شخصيّته العقائديّة: من أدبه وشعره يتبيّن للمرء أنّه كان معتقداً بولاية محمّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم وولاية أهل بيته الأطهار عليهم السلام وكان يجاهر بذلك ولا يخاف لومة لائم. وهناك الكثير من الأشعار التي قالها صارت مثلاً يُضرب وعلى شفَتيْ كلّ متكلّم، منها قوله:

وليس يبلغها قولي ولا عملي

مواهب الله عندي جاوزت أملي

ولايتي لأمير المؤمنين علي(3)

لكنّ أشرفها عندي وأفضلها

ويكفيه وضوحاً في ولائه قصيدته المشهورة في حقّ أمير المؤمنين (قالت وقلت) وختامها:

فقلتُ: كلُّ الذي قد قلتُ في رَجلِ

قالت: أكلُّ الذي قد قلت في رَجُل

فقلت: ذاك أمير المؤمنين عليّ

قالت: فمن هو هذا الفرد سِمْهُ لنا؟

رابعاً: شخصيّته الخُلقية: لقد تربّى ابن عبّاد على الكرم وسموّ الأخلاق، وقد قيل إنه اعتاد السخاء منذ حداثة سنّه بما كانت أمّه تعطيه وهو صغير كل يوم ديناراً ودرهماً ليتصدّق بهما على أول فقير يلقاه في طريقه إلى المسجد الذي كان يدرس فيه. وكانت داره لا تخلو في كلّ ليلة من ليالي شهر رمضان من ألف نفس مُفطرة فيها، وكانت صلاته وصدقاته وقرباته في هذا الشهر تبلغ مبلغ ما يطلق منها في جميع شهور السنة(4).

•أقوال العلماء فيه
نقل العلّامة الأميني قدس سره في كتابه الشهير "الغدير" أنّ الشيخ البهائي عدّ الصاحب ابن عبّاد من علماء الشيعة وجعله في عداد ثقة الإسلام الكُليني والصّدوق والمُفيد والطوسي ونُظرائهم.
وأمّا العلّامة المجلسي الأول فوصفه بأنه من أفقهْ فقهاء أصحابنا المتقدّمين والمتأخّرين، وعدّه في مقام آخر من رؤساء المحدّثين والمتكلّمين(5).

وقال الحرّ العاملي عنه: "عالم، فاضل، ماهر، شاعر، أديب محقّق، متكلّم، عظيم الشأن، جليل القدر في العلم والأدب والدين والدنيا". وقد نقل صاحب "أعيان الشيعة" قولَي العلّامة المجلسي الأوّل والعلّامة المجلسي الثاني بقوله: "علم من أعلام القرن الرابع جمع بين الوزارة والكتابة، والسيف والقلم، وكان صدراً في العلم والأدب، وغايةً في الكرم وجلالة القدر وفرداً في الرياسة وكثرة الفضائل"(6). وأمّا ولده محمد باقر المجلسي فقد قرنه بالخليل بن أحمد الفراهيدي إذ قال: هذان الرجلان كانا من الإماميّة وهما علَمان في اللغة والعروض والعربية(7).

•مكتبة الصاحب
كانت للصاحب مكتبة عامرة وقد نوّه بها لمّا أَرسل إليه صاحب خراسان الملك نوح بن منصور السمانيّ في السير يستدعيه إلى حضرته ويرغبه في خدمته وبذل البذول السخية، فكان من جملة أعذاره قوله: ثمّ كيف لي بحمل أموالي مع كثرة أثقالي وعندي من كتب العلم خاصةً ما يحمل على أربع مائة حمل أو أكثر.

وفي معجم الأدباء قال أبو الحسن البيهقي: وأنا أقول بيت الكتب الذي بالريّ دليلٌ على ذلك بعدما أحرقه السلطان محمود بن سبكتكين، فإنّي طالعت هذا البيت فوجدت فهرست تلك الكتب عشرة مجلدات، فإنّ السلطان محمود لما ورد إلى الريّ قيل له إن هذه الكتب كتب الروافض وأهل البيت فاستخرج منها كل ما كان بعلم الكلام، وأمر بحرقه، وكان خازن تلك الكتب ومتولّيها أبو بكر محمد بن علي المقري المتوفَّى 381هـ وأبو محمد عبد الله الخازن بن الحسن الأصفهاني.

•وفاته ومدفنه
جاء في اليتيمة(8): لما بلغت سنوّه الستين اعترته آفة الكمال، وانتابته أمراض الكبر، جعل ينشد:

ولكن لا أطيق له مردا

أناخ الشيب ضيفاً لم أرده

تردى مَن به يوماً تردّى.

رداء للرّدى فيه دليل

إن سنة 385هـ الموافقة لـ995م هي تاريخ وفاة الصاحب. وقد طغى الحزن على مدينة الري في تلك السنة، ومشى فخر الدولة أمام جنازته ثم حُمل إلى أصفهان ودفن بها. وقد رثاه جمع كبير من الشعراء ومنهم الشريف الرضي فقال:

أكذا الزمان يُضعضع الأجبالا

أَكَذا المنون تقطر الأبطالا

تحمي الشبول وتمنع الأغيالا (9).

أَكَذا تُصاب الأسد وهي مدلّة


1.معجم الأدباء، ياقوت الحموي، ج14، ص194.
2.أعيان الشيعة، محسن الأمين، ج3، ص343.
3.المنتظم، ابن الجوزي، ج7، ص180.
4.أعيان الشيعة، (م.س)، ج3، ص348.
5.(م.ن)، ص331.
6.(م.ن).
7.(م.ن).
8.يتيمة الدهر، عبد الملك النيسابوري، ج3، ص327.
9.أعيان الشيعة، (م.س)، ص374.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع