نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أول الكلام: واصبر نفسك


السيد علي عباس الموسوي


تعطي التعاليم الدينية الإسلامية الصّبر قيمة عُليا. وهذه القيمة ترجع بالفعل إلى الطبيعة التجاذبية داخل النفس الإنسانيّة التي تعيش حالة صراع بين العقل والهوى. وعندما يكون هناك صراع يستلزم الأمر صبراً وتحمّلاً لشدائد تترافق مع المواجهة.

وأمام صراع الإنسان بين الدنيا والآخرة تشكّل الدنيا والهوى القلبي في الميل إليها طرفاً أولاً في هذا الصراع، وتشكّل الآخرة والسعي نحو الله الطرف الآخر. والنفس الإنسانيّة هي ساحة هذا الصراع.

وإذا رجعنا إلى التشريعات الإسلاميّة نجدها توفّر دائماً المقوّمات التي تسمح للإنسان بأمرين:
1- تقديم أدوات للقتال والمواجهة ليكون الانتصار للجانب الأخروي (الإلهي) على الدنيوي (الشيطاني).
2- تحصين النفس وتوفير المنعة لها أمام ما تتعرّض له من هجوم جنود الشيطان.
وفيما يرتبط بالأمر الثاني تظهر أهمية الصبر، بمعنى دعوة النفس إلى التحمّل ومخالفة الهوى والرغبات؛ لأنّ ذلك من الشدائد. فالقدرة على التحمّل تجعل هذه النفس أقوى في عملية الصراع وبهذا تكون في مأمن من الاختراق.

والتعليم القرآني يضفي عناصر داعمة لهذا الصبر ترفع من مستوى فائدته وثمرته، وتتمثّل بعناصر جمعتها آية واحدة في كتاب الله عزّ وجلّ:
أحدها: البيئة المحيطة في ساحة المعركة والقتال: لا بدّ في جانب النفس من أن تتوافر بيئة مساعدة على مغالبة الهوى الشيطاني، وذلك بأن تكونّ الجماعة المتمثلة بالصداقات والأسرة ونحوها، بيئةً ذات ارتباط دائم بالله، تذكر الله عزّ وجلّ وتتوجّه إليه بالدعاء، فلا تنظر إلى الدنيا، بل تعطي القيمة للإرادة الإلهية فقط، ولذا يكون الدعاء حالة ثابتة في حياتهم.

ثانيها: الإخلاص في العمل: هذه البيئة يجب أن تكون في حالتها الآنفة الذكر ذات إخلاص؛ أي أن تكون ممّن يريد بذلك الرضى الإلهي، ولا يتوقّع شيئاً في هذه الدنيا، وبهذا فإنّ ما له الأهمية لديهم هو ساحة القرب من الله عزّ وجلّ.

ثالثها: ترك النظر إلى الدنيا: في مقابل الارتباط بالله يجب عدم التعلّق بهذه الدنيا. ويعبّر القرآن الكريم عن النظر إلى هذه الدنيا بأنه تعدّ؛ أي تجاوز؛ فكلّ نظر إلى الدنيا يكون فيه تخلٍّ عن الآخرة، يكون الإنسان بذلك قد تجاوز حدود ما رسمه الله، ولذا يصح وصفه بالعدوان.

رابعها: الحذر من البيئة الفاسدة: وهي الأخطر على الإنسان. ويضع القرآن الكريم صفات لهذه البيئة والتي تتمثّل تارة بالانسان الصغير؛ أي الفرد، وأخرى بالإنسان الكبير؛ أي المجتمع، وهذه الصفات هي: غفلة القلب، اتباع الهوى، الخسران.

ففي التدرّج القرآني حكمةٌ بالغة، فالخطوة الأولى في السير الانحرافي عن طريق الهدى تتمثّل بغفلة القلب، بمعنى الانصراف القلبي عن الآخرة وعن أهل الآخرة الذين تقدَّم أنهم يشكلون البيئة الصالحة المرتبطة بالله. والخطوة الثانية، تتمثّل باتباع الهوى، فيصبح قائداً يسير بهذا الإنسان ويبعده عن العقل. والخطوة الثالثة المترتبة على الأمرين أن يكون مفرطاً في اتباع الهوى؛ وذلك لأنّ طبيعة الهوى أنّه لا يكفّ، بل يطلب دائماً المزيد من اللذّات والأمور الماديّة. وهذه الفكرة بتمامها جمعتها آية في كتاب الله، وهي قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ (الكهف: 28).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع