صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

تغذية: لكي نصوم ونصحّ

سارة الموسوي خزعل


"صوموا تصحّوا". هذا الحديث من الأحاديث الشريفة التي نستذكرها عند حلول شهر الصوم. والتي تربط عبادة الصوم بصحّة البدن. ورغم ما أثبته الباحثون من آثار صحية للصيام على الإنسان، يشكو كثيرٌ من الصائمين في شهر رمضان من التعب والإرهاق قبل الإفطار وبعده، ومن تفاقم بعض المشاكل الصحيّة، وظهور بعض المشاكل الجلديّة، والتشوّش وضعف التركيز... فلماذا يصومون ولا يصحوّن؟ وأين فوائد الصيام الصحيّة؟ وأين مكامن الخطأ في طعامنا؟

بدايةً، يمكن القول إنّ المشكلة هي في ممارساتنا الخاطئة أثناء الصيام. وأما المشاكل الأساسية المانعة من تحقيق أهداف الصيام الأساسيّة، فهي:

* المشكلة 1: الخمول وعدم الحركة

من الطبيعي أن يشعر الصائم ببعض الخمول والتعب، وذلك لعدم استهلاكه الطعام الذي يمده بالطاقة خلال النهار. إلا أن الإفطار والسحور إذا كانا يحتويان على المغذيات الأساسية والكميّات المناسبة، فهما كافيان ليمدّا الصائم بطاقة مناسبة لممارسة مهامه، خاصة في الجزء الأول من النهار. لذلك من الخطأ:
1- الاعتقاد أن الصائم لا يستطيع ممارسة أعماله اليومية المعتادة.
2- نوم الصائم أول النهار والقيام بأعماله قريب الأذان.
3- التوقف عن الرياضة، ولكن يمكن إنقاص معدلها أو تأخيرها إلى قرب وقت الأذان.
4- السهر حتى الصباح؛ لأنه يشعرك بالخمول ويمنعك من النشاط أثناء النهار، وليس الصوم.
ومن الصحيح، أن يمارس الصائم أعماله المعتادة، خاصّة في أوّل النهار؛ لأن السحور بمثابة الفطور، يعطي الطاقة للعمل بعد تناوله خلال ساعتين إلى 3، فإذا ما استُغل هذا الوقت، يباشر جسمك في تفعيل مولّده الخاص، فيزداد النشاط والذكاء الذهني، وأما إذا أهملت هذه الأوقات، كان المولد بطيء الحركة وصارت الطاقة مخزّنة كدهون لا أكثر، وعندئذ يصعب استخراجها واستهلاكها، الأمر الذي يزيد الوزن، إضافة إلى الخمول والتعب، ونقص النشاط الذهني.

* المشكلة 2: طعام الإفطار
1- النوعيّة: جرت العادة، للأسف، على أن تكون وجبات الإفطار دسمةً، من لحوم ودواجن وأغذية مقلية وغيرها (كاللفائف المقلية، البطاطا، الخبز المقلي للفتوش، ...). وتصير أنواع الطعام الأخرى من يخنات خضار (كاللوبياء والسبانخ والبازيلاء والبامياء) وأطباق الحبوب والبقول (كالفول والحمص والعدس و...)، بأجمعها منبوذة، وكأن شهر رمضان يجب أن يكون مقروناً بالأطعمة الدسمة غير الصحية، والأمر على العكس، هذه الوجبات الدسمة تُشعر بالخمول وقلة النشاط، بينما تلك القليلة الدسم أو المكونة من البقول والحبوب هي القوت الأهم لأجسادنا والتي تعطي النشاط وتحافظ على الشبع لفترة أطول.

2- الكميّة:

أ- كميّة الطعام المعروضة والأصناف العديدة: إذ إنّ تعدّد الأصناف يحفّزك على تناول كميّات كبيرة دون وعي (لتتذوّق من كلّ صنف)؛ فتُتْخَم بشكل لا إرادي.
ب- كمية الطعام المتَناولة: يتناول بعض الصائمين كميّات كبيرة من الطعام على الإفطار، بحيث يصل الأمر بهم إلى التخمة الشديدة والخمول الشديد. لذلك من المهمّ أن نقوم عن الطعام قبل الشبع بقليل. لقد بيّنت الدراسات أن المعدة تحتاج إلى مدّة من الزمن لأجل أن توصل الرسالة العصبيّة إلى الدماغ بأنّها امتلأت، وبالتالي فهو يتأخر قليلاً لإنبائنا بالشبع. وقد أوصى أمير المؤمنين عليه السلام ولده الإمام الحسن عليه السلام قائلاً: "... ولا تقم عن الطعام إلا وأنت تشتهيه...".
ج- استمرار تناول الطعام والأكل من الإفطار إلى السحور: عند الإفطار، من الأسلم تقسيم تناول الطعام في الفترة ما بين المغرب والفجر إلى وجبتين أو ثلاث وجبات، ما يسمح للجهاز الهضمي بالاستراحة وهضم الطعام بصورة سليمة. وأما تحفيز الجهاز الهضمي للعمل باستمرار، فيؤدي إلى مشاكل، منها: التلبّك المعوي، والحَرقة، والإمساك، وغيرها.

3- حذف بعض أصناف الطعام في شهر رمضان:
من الخطأ غياب الفواكه والحليب والأجبان والألبان، واستبدالها بالعصائر لإرواء العطش، فهذا يفقد الجسم العديد من العناصر الغذائيّة المهمّة كالألياف (الموجودة في الفواكه والخضار) المهمّة للهضم، والكالسيوم (الموجود في الحليب ومشتقاته) وغيرها من الفيتامينات والمعادن.

4- الحلويات: يظن بعضهم أن الجسم يحتاج إلى الحلويات لتعويض حاجته من السكر الذي يفقده في فترة الصوم.

والصحيح أنّ الحلويات تحتوي على سكر سريع، إذا دخل إلى الجسم بكثرة ودفعة واحدة، سيؤدي إلى ارتفاع سريع للسكر في الدم، يلحقه انخفاض سريع، فيشعر الشخص بالجوع الشديد بعد فترة قصيرة من تناولها. إذاً، الحلويات تزيد حالة الصائم سوءاً بالنسبة إلى الجوع. فيما يحتاج الجسم أحياناً إلى سكر سريع ولكن طبيعي (عند الإفطار)، وهو موجود بكثرة في الفواكه الطازجة والمجفّفة. ومن الممكن تفسير الحاجة إلى طعم الحلاوة، بأننا أحياناً لا نسدّ حاجة أجسادنا من الفواكه ونستعيض عنها بكثرة في الشهر الفضيل بالحلويات الغنيّة بالزيوت والدسم والزيوت المهدرجة، الضارة بالشرايين، والغنيّة بالسعرات الحرارية.

5- الأكل بسرعة:
عندما يأكل الصائم بسرعة أثناء الإفطار، سيعاني من التخمة وأوجاع البطن أو النفخة والغازات أو التلبك المعوي، ويتبع ذلك كله الخمول والتعب الشديدان.
لذلك، على الصائم المضغ بشدّة والأكل بهدوء. وقد حث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك بالقول: "وأما الأدب فتصغير اللقمة والمضغ الشديد".

6- الأكل المرافق لمشاهدة التلفاز:
اعتاد معظم الناس تناول وجبة إفطارهم أثناء مشاهدة التلفاز، لكن عدم التركيز في الطعام أثناء تناوله يجعل الشخص يأكل بكثرة ودون وعي.

* المشكلة 3: طعام السحور
حيث يحتوي أحياناً على مكوّنات تزيد من جوع الصائم وعطشه أثناء النهار، بدلاً من مساعدته على الصيام. لذلك ننصح بتجنّب:
- الأطعمة المالحة، ومنها: (الأجبان، الزعتر، الزيتون، المخللات، المكسرات المملحة، الشيبس...). فكثرة تناول الملح تؤدّي بالجسم إلى تصريف الزائد عن حاجته من خلال تذويبه في الماء، ثم تصريفهما معاً من الجسم. وبالتالي يخسر الجسم بعض السوائل التي كانت ستجنب الصائم العطش.
- الأطعمة المبهّرة: فهي تزيد من العطش.
- الحلويات: تحفز على الجوع كما ذكرنا سابقاً.
- المعجنات: الغنيّة بالنشويات التي تتحوّل في الجسم إلى سكر، فتزيد في الجوع، وهي غنيّة بالدسم كذلك، فتزيد في العطش.

لذلك يجب أن تستبدل هذه الأطعمة على السحور، بما هو أقلّ دسامة وملحاً ونشاء، والاهتمام بتناول مصادر البروتين (كالبيض والبقول والحليب والأجبان القليلة الملح والدسم..)؛ لأنّها تبقى في المعدة فترة طويلة نسبياً، فتزيد من فترة الشبع أثناء النهار. وانتقِ النشويات العالية الجودة من منتجات الحبوب الكاملة وغيرها؛ لأنها تحتوي على الألياف التي تشعرك بالشبع.

* المشكلة 4: زيادة إدخال السموم إلى أجسادنا
تدخل السموم إلى أجسادنا من مصادر عديدة، وعبر طرق متنوعة، ومنها الغذاء.
أ- التصنيع الغذائي: عبر زيادة الملوّنات الصناعية والمواد الحافظة والمركبات الكيمائية والأسيدية وغيرها. وكلّ شيء مصنّع يعتبره الجسم غريباً عنه، فيستنفر جهاز المناعة لمقاومته. وعند تناوله يؤدّي إلى حصول تلبّك معوي ومشكلة في الهضم.
ب- تعريض الزيوت لدرجة حرارة عالية: ما يؤدّي إلى تحوّل هذه الزيوت إلى زيوت سامة، لأن الحرارة العالية قد تؤدي إلى تغيير التركيبة الكيميائية للزيت، فتجعله كذلك غريباً عن أجسادنا، وهو مضرّ بالشرايين والقلب وخلايا الجسم كافة.

* ما الحل!
إذا كنت تريد من صيامك أن يفيدك، وليس أن يكون فريضة تؤديها فحسب:
1- اجعل نيّتك أنّك تريد راحة الجسد والروح، وضمان ذلك تقليل الطعام والشراب.
2- اجعل لإفطارك برنامجاً تحدّده أنت لا غيرك.
3- لا تضع على مائدتك أكثر من صنف من الطعام (وجبة أساسية واحدة + سلطة + حساء).
4- احرص على تناول الماء بدلاً من العصائر، فالعصائر تشعرك باللذة، ولكنها لا ترويك؛ لأنّها غنيّة بالسكر؛ سواء الطبيعي منه أو المضاف، ما يزيد حاجة جسمك إلى الماء لتعديل السكر فيه.
5- مارس الرياضة والحركة الطبيعيّة، ولا تُكثر من النوم.
6- حاول التحكّم بالنفس قبل الشبع ولو بلقمة، ولا تزدْ على حاجتك.
7- لا تنسَ تناول الفواكه والخضار؛ فمنظّمة الصحة العالمية تنصحك بتناول 5-8 حصص منها يومياً.
8- اشرب يومياً على الإفطار والسحور كوباً من اللبن أو العيران أو الحليب كبديل عن العصائر.
9- أعد رؤيتك لشهر الصوم، ليكون هدفك في الليل العبادة والتقوّي بالنشاط عبر وجبات خفيفة.

ختاماً، لقد جعلنا شهر الصيام شهر الطعام بدلاً من أن نغذّي أرواحنا، خفنا من هزال أجسادنا، فتأنقنا في المأكل والمشرب ولم نراعِ المقصد الأساس، فلا ارتاحت أجسادنا ولا سمت أرواحنا. نحتاج إلى وقفة وإعادة نظر، لنصوم ونَصحّ، والأهمّ.. لنسمو.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع