نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تحقيق: لماذا ارتبط الناس بشيخ الشهداء؟

إعداد: إيفا علوية ناصر الدين


لم يكن لقب شيخ الشهداء هو الشيء الوحيد الذي اشتهر به بعد استشهاده. فبالإضافة إلى هذه الصفة وما تحمله من معاني السمو والرفعة التي تميزت بها شخصيته فقد ارتبط ذكر الشيخ الشهيد راغب حرب بصفة بل بظاهرة حب الناس له وانجذابهم إليه وعلاقتهم الوثيقة به التي وصلت إلى درجة تبعث على التساؤل عن سر هذا الحب العميق الذي عاش في قلب كل من عرفه.

تحقيق: لماذا ارتبط الناس بسيد الشهداء؟
وحدهم الذين عايشوه يعرفون سر تعلقهم به وحبهم له الذي ما زال ينبض في قلوبهم رغم السنوات العديدة التي مرّت على رحيله والتي لم تستطع أن تغيّبه عنهم فقد بقيت ذكراه حيّة فيهم يشعرون بحضوره الذي لم يفارقهم وبطيفه الذي يؤنسهم برفقته على الدوام. السيد علي فحص مسؤول القسم الثقافي لحزب اللَّه في منطقة بيروت، أحد أبناء بلدة جبشيت واحد الذين عايشوا شيخ الشهداء وكانوا الشاهدين على مكانته بين الناس اعتبر أن الشيخ راغب حرب: "حفر في قلوب المحبين والعاشقين والمجاهدين وكل عارفيه موقعاً لا يمكن أن يزول أو يُنسى، فها هي السنوات تمر وشيخ الشهداء باقٍ حيّ ينبض ويتحرك، يرشد ويوجّه ولا زالت روح الطاهرة تحمي وتحرس وتسدد ولا زال طيفه يُرى مع صورة كل شهيد وسعي كل مجاهد ولا زالت مواعظه وكلماته تنساب في المسجد ولا زالت بسمته تنير لنا الطريق إلى المستقبل الزاهر".

* سر الموفقية:
وكلام السيد هذا يلخّص مدى العلاقة الوطيدة والحميمة التي كانت قائمة بين الشيخ وبين محبيه والتي لا يمكن استكشاف سرها إلا بالرجوع إلى شخصيته الفذة التي اجتمعت فيها عدة عوامل فكان السبب الأهم لموفقية شيخ الشهداء، والسر الكبير الذي انطوت نفسه عليه برأي السيد علي فحص هو: "إخلاصه للَّه تعالى وللناس الذين أحبهم وعاش معهم ودافع عنهم وعن حقوقهم. هذه الخصلة الحميدة كانت بارزة فيه فقد كانت تنفجر الحكمة من قلبه المخلص على لسانه الصادق وكان يطلقها في خطبة أو محاضرة فيتلقفها الناس وتستقر في قلوبهم وآذانهم وتترك الأثر الطيب فيهم ثم تنعكس حباً جماً وعشقاً لهذا العالم الرباني والشيخ المجاهد وخطه ونهجه الذي سار عليه ودعا الناس إلى أتباعه..

ولأن الإخلاص والصدق لا يتحققان إلا إذا اقترنا بالعمل فقد جسّد الشيخ الشهيد هذا المفهوم بشكل واضح حتى صار ميزة فيه وسبباً آخر من أسباب تغلق الناس به: "لم تكن تجد فيما يقوله إلا الصدق والوضوح وكان أول العاملين بما يدعو إليه الآخرين فهو دائماً كان في مقدمة الركب والمسيرة متبعاً قول الإمام الصادق عليه السلام: "من صدق لسانه زكا عمله" فمثلما كان لسانه الصادق ينطق بالحكمة فيتعلق به الناس كان كذلك عمله الزاكي يزيد الناس من الإرتباط به والسير خلفه والدفاع عنه دون أن يخافوا من الاحتلال أو أن يحسبوا لبطشه أي حساب".

* شواهد وصور
وهنا يتوقف السيد علي فحص ليضيف شاهداً آخر على هذا الارتباط الذي كان يدفع الناس للاستعداد إلى خوض المواجهة إلى جانب الشيخ راغب حرب: "عندما جاؤوا مرة إلى منزله ورفض السماح لهم بالدخول ودخلوا عنوة رفض السلام عليهم لتأكيد عدم شرعية وجودهم مطلقاً موقفه الشهير بأن المصافحة اعتراف وعندما اغتاظ ضبّاط العدو وحاولوا إخافته وأذيته تجمهر الناس من حوله للدفاع عنه وظهر مقدار الحب والاحترام والعشق المودع في قلوب هؤلاء اتجاه هذا الإنسان العظيم المتفاني غير آبهين بنتائج هذا الموقف". إن هذه الشجاعة قد تعلّمها هؤلاء الناس من شيخهم الحبيب الذي لطالما أسرت قلوبهم شجاعته واحترامه وزادتهم تعلقاً به وبالنهج الذي يمثل فقد كان دائماً: "يقف في خطبه غير مكترث بهذا العدو ليقول للناس إننا نعيش في سجن كبير أي الجنوب المحتل فلا نخاف إذا اعتقلنا إلى السجن الصغير وليقول في موقع آخر أن البيوت التي لا تملك مفاتيحها لا نريدها وهذه الكلمات كانت ترفع من معنويات الناس وتعدّهم للمواجهة فكثيراً ما كانت تحصل المواجهات مع العدو بعد صلاة الجمعة حيث يأتي العدو وعملاؤه ليحاولوا أن يرعبوا شيخ الشهداء والناس لكن العكس هو الذي يحصل حيث كانت الحماسة تأخذ مأخذها بدل الخوف والتراجع". وهذه الحماسة التي كانت تتولد في نفوس المحبين والمجاهدين الذين كانوا يتوافدون لسماع خطبه لم يتوقف الشيخ الشهيد عن بثها فيهم بعد استشهاده حيث كان صوته يردد دائماً فيهم: "المقاومة خياركم وقدركم وهي صانعة مستقبلكم وعزكم وفخركم ومجدكم" ولا زال صوته يصدح بقوله: "لا غد أفضل إلا بالإسلام".

* أسباب المحبة
صفات أخرى حملتها شخصية شيخ الشهداء وكانت سبباً لمحبة الناس له حدثنا عنها إمام بلدة جبشيت الشيخ إسماعيل حرب أخو الشيخ راغب حرب الذي بقيت في ذهنه ككل الناس صورة الشيخ الذي: "فتح للناس قلبه الكبير، ساوى نفسه بهم، أحبهم بصدق فأحبوه عاش معهم كواحد منهم يأكل مما يأكلون ويلبس مما يلبسون. هذا ولم يساو الشيخ راغب نفسه بضعفة الناس في معاشه فحسب بل في جهاده أيضاً فكان مع المجاهدين في مواقع جهادهم فإذا دعا الناس إلى رفض العدو كان أول الرافضين وإذا دعاهم لمقاطعة البضائع الأميركية كان أول المقاطعين وإذا دعاهم إلى مظاهرة كان في طليعة المتظاهرين".

وهذه التصرفات التي كان يعتبرها شيخ الشهداء واجباً عليه كانت تتبع من التعاليم التي استمدها من نهج الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام في معاملة الناس ومعايشتهم والذين سماهم الشيخ الشهيد كما يخبرنا الشيخ إسماعيل حرب: "سماهم كرام خلق اللَّه وكان يحفظ عليهم إيمانهم وصدقهم وعفويتهم ولم يحفظ عليهم زلاتهم في حقه. أذكر يوماً أنه كان في مكان قرب ساحة البلدة وإذا برجل ينال من الشيخ بالسباب والشتيمة ظناً منه أن الشيخ لا يسمعه ولم يأت الشيخ راغب بأي تصرف يدل أنه سمعه خوفاً عليه من الخجل وفي الليل وبعد صلاة العشاء قصده إلى منزله زائراً ولما عَلِم الرجل أن الشيخ جاء ليزوره اختبأ في غرفة خاصة خجلاً من مواجهته ولكن الشيخ دخل المنزل ورفض أن يعتذر الرجل منه مخبراً إياه أنه أتى لشرب الشاي معه.

* أسرار أخرى
أن السؤال عن شيخ الشهداء يتمتع بخصوصية مميزة وهي استحالة الاكتفاء بمقدار محدد من الأجوبة فكلما عرفنا أكثر كلما زاد شوقنا لمعرفة المزيد عن أسرار تلك الشخصية التي تركت في كل من عرفها قصصاً ومواقف وأفعالاً يثير الحديث عنها في أنفسهم سلوى وبهجة وكيف لا وهو: "ما زال الحاضر بيننا بقوة لم يفارق الذاكرة ولا الروح ولا حتى المكان". هذا ما استهل به الإجابة عليه الحاج أنيس حرب مدير الشؤون الاجتماعية والصحية في مؤسسة الشهيد الذي ما زال يذكر الكثير عن الشيخ الشهيد وعندما نسأله عن سبب ارتباط الناس بشيخ الشهداء وتأييدهم ومساندتهم له في مسيرته الجهادية يجيب: "قد يبدو السؤال صعباً نوعاً ما ولكن في الإجابة يستحيل السؤال جواباً لأن في باطنه يكمن الجواب!

لقد استطاع شهيد الشهداء الشيخ حرب أن يستميل قلوب الناس ويستقطب دعمهم وعطاءهم من خلال صفاته النائية أولاً ومن خلال سلوكه العملي ثانياً. وأول هذه الصفات وأبهاها كانت سلامة العقيدة حيث اعتنق الإسلام ديناً حنيفاً كما جاء على لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله. ومن خلال قراءة علاقته بالناس يمكن رؤية الصفات التي امتاز بها والتي كان يكلّلها بحسن الخلق والتواضع حيث كان دائم البشاشة عندما يلتقي أخوانه في البيت أو الشارع أو في المسجد. فكان كل من يتعرف عليه يحبه ويعشه منذ اللقاء الأول.

* مرآة الإيمان
أما السلوك العملي الذي كان الترجمة الدقيقة والصادقة لإيمانه وعقيدته ولاقته باللَّه سبحانه وتعالى وكذلك ترجمة لصفاته الحميدة فقد كان يمتاز بسمات عديدة أبرزها: "حبه للناس ومعايشة آلامهم ومعاناتهم كما أفراحهم وأحزانهم، حيث كُنت تجد الشيخ راغب حرب في بيوت الفقراء من أهل القرى يزورهم ويتفقد أحوالهم يدعوهم بسلوكه قبل لسانه إلى الإيمان والعمل الصالح وكذلك إلى مجاهدة الأعداء. كذلك كنت تجده في الحقل يعمل إلى جانب الفلاحين والمزارعين والعمال، أيضاً كان يجلس إلى جانب كبار السن يحدثهم وهذا السلوك الذي اتسم بالعفوية هو الذي كان يطبع شخصية الشيخ راغب التي كانت تدخل إلى قلوب الناس دون استئذان".

ويتابع الحاج أنيس حرب الحديث عن معايشة شيخ الشهداء للناس ووقوفه إلى جانبهم والسعي لحل مشاكلهم فيذكر قيامه ببناء المشاريع وتأسيس المؤسسات التربوية والاجتماعية كتأسيس نواة بيت مال المسلمين من خلال صندوق للقرض الحسن يعطي القروض للفقراء ولتحفيزهم على العمل وبناء مدرسة في الشرقية لإفساح المجال لتعليم أبناء القرية وبناء مبرة للأيتام في جبشيت والذي يلفت النظر هنا ليس فقط رغبة الشيخ في تأمين هذه الأمور التي تساعد الناس في حياتهم بل كان هناك ما يستحق الذكر يخبرنا الحاج أنيس: "كنت ذاهباً إلى زيارته مرة عندما كان يسكن في بلدة الشرقية فوجدته يقوم بحفر أساسات المدرسة بمفرده أما في قريته جبشيت فالمشهد كان يتكرر دائماً حيث كان يتابع يومياً بناء المبرة للأيتام فلم يكن يتوالى عن مساعدة العمال في حمل أكياس الأسمنت على ظهره من الشاحنة إلى الأرض التي بُني عليها هذا الصرح التربوي، كما لا ننسى أبداً يوم وقف أمام مسجد البلدة القديم "مسجد جبشيت" ليقوم بتوسعته وإعادة بنائه من جديد حيث حمل المعول والرفش وبدأ بحفر التراب بنفسه".

* ملامح العظمة
أن الكلام عن الشيخ راغب حرب لا يمكن أن يختم إلا بحديث أكثر من عرفه والدته التي واكبت مسيرته وكانت الشاهد الأكبر على عظمة شخصيته ومصداقيتها التي شدت إليها القريب والبعيد الكبير والصغير فاستحقت هذا الحب بجدارة وكان من أبرز ملامح عظمة هذه الشخصية بحسب الحاجة أم راغب: "أخلاقه العالية التي كان يشهد لها الجميع الذين تعوّدوا على تصرفاته الحسنة ومعاملته ومبادرته دائماً إلى عمل الخير لذلك فقد أحبّوه وارتبطوا به وكان أكثر ما يعلقهم به هو تواضعه معهم فلم يكن يترك مريضاً إلا ويزوره ويتفقد أحواله ولم يكن غريباً عن الناس بل كان بينهم دائماً حيث عرفته بيوتهم التي كان يذهب إليها مبادراً إلى الزيارات والسهرات فقد كان يحب الاجتماع بالناس كثيراً".

وفي ذاكرة الحاجة أم راغب الكثير الكثير من القصص والحوادث التي شهدتها حياة شيخ الشهداء وحُفظت في سجلّ الذاكرة دليلاً على تأثير شخصيته فيمن حوله: "بعد عودة الشيخ راغب من النجف الأشرف جاءنا شخص غريب من العراق وأقام عندنا طيلة شهر رمضان المبارك مرافقاً للشيخ راغب الذي استضافه وكرّمه وكان هذا الشخص يتلمس أخلاقيات الشيخ فتأثر به كثيراً وقبل حلول العيد رحل فجأة تاركاً رسالة إلى الشيخ يخبره فيها أنه جاء بمهمة لقتله لكنه لم يستطع فعل ذلك بعد ما شهده في الشيخ من صفات حميدة أولها معاملته الحسنة له".

* ذكريات لا تُنسى
لم يترك الشيخ فيها فقط هذه الذكريات الجميلة التي تشعرها بسعادة غامرة وهي ترويها بل ترك في قلبها أيضاً شعوراً أمومياً مميزاً تحس بحرارته في داخلها عندما تنتقل بين المشاهد المختلفة التي تراها عيناها وهي تحاول استرجاع الذكريات فتراه وهو في عمر صغير جداً تبدو عليه ملامح الوعي المبكر وتراه في عمر الحادي عشر واقفاً يخبر أباه عن رغبته الشديدة في طلب العلوم الدينية وترى السعادة بادية في عينيه عند تشجيعها هي وأبوه على هذا الأمر ثم تبتسم لمشهد أضحكها في وقته وما زال يضحكها عندما تتذكره تخبرنا الحاجة أم راغب: "في طريق عودتي مرة من بيت الشيخ راغب تفاجأت بمجموعة من جنود العدو قادمين لمداهمة بيته واعتقاله ولأني صرت بعيدة عن البيت لم أستطع الرجوع لإخباره بالأمر وطبعاً لم أستطع إكمال المسير فوقفت لأرى ماذا سيحصل ونظرت باتجاه البيت فرأيت الشيخ يغادر من الجهة الخلفية فاطمأنيت وأكملت مسيري إلى أن وصلت إلى مكان سمعت صوتاً يناديني من أحد البيوت للدخول حيث كان الشيخ هناك ولما رأيته بدأت أعاتبه على ما يضعني به من قلق وخوف عليه دائمين فأجابني ببرودة أعصاب أتريدين الحب بربع ليرة!". لقد كان شيخ الشهداء ينظر إلى الأمور من منظار الآخرة فلم يكن يقيسها بمقياس الدنيا ويعطيها الأثمان الزهيدة لأن كل شيء كان ثمنه الذي يريده في الآخرة.

"كان يتطلع في أي عمل يعمله إلى رضى اللَّه سبحانه وتعالى بغض النظر عن أي شيء آخر والأمثلة كثيرة على هذا الموضوع منها استضافته لأيتام من المبرة في غرفتين من منزله المؤلف من ثلاث غرف وكان يقول لي دائماً هؤلاء هم فيهم الأجر والثواب".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع