نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أبغض الحلال‏..الطلاق أسبابه وعلاجه‏

الشيخ شوقي زعيتر


جاء في الحديث الشريف: "أبغض الحلال إلى اللَّه الطلاق" نستوحي من هذا الحديث أن الإنسان يستطيع أن يمارس هذا الحق ولكن ليس بالشكل العفوي والعادي أو السطحي جداً بل أن يكون في رضى اللَّه تعالى، لأن اللَّه قد أحل الطلاق لمصلحة إنسانية، لا أن يُقام به لمجرد النزوة أو الحقد أو الكبرياء، لأنه وإن كان حلالاً إلاّ أنه مبغوض من اللَّه تعالى أي مكروه.

وأساساً شرّع اللَّه تعالى الطلاق لضرورة ملحَّة أحياناً وهو نعمة أنعمها علينا ولكن قد تتحول عند البعض إلى نقمة، وقد جعلها اللَّه تعالى أبغض الحلال لأنها تفريق بين زوجين كتب لهما أساساً أن يكونا روحاً واحدة لا يفرِّق بينهما سوى الموت (أو الطلاق) واعتبرها اللَّه تعالى روحاً واحدة خلق الأخرى منها أي خلقٌ من خلق: ﴿وخلق لكم من أنفسكم أزواجاً.. ﴿وخلق منها زوجها.... ولكن هذا التفريق الحلال، الغاية منه حياة جديدة سعيدة لأن الحياة التي كانت بين الزوجين قد وصلت إلى حد لا يطاق من العذاب النفسي أو الجسدي...

* أسباب الطلاق:
إذا عدنا إلى أسباب هذا التفريق نجد هناك العديد من العوامل أهمها:

* تدخل الأهل السلبي: وهو على عكس تدخلهما الإيجابي الذي يقرِّب بين الزوجين ويزيد المحبة والمودة بينهما ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا (النساء: 35)، فإن هذا التدخل في حياة الزوجين خصوصاً الحياة الشخصية لهما كالمسكن والمأكل والمشرب والحياة الحميمة بينهما تؤدي إلى مشاكل صعبة ومعقَّدة لأن بعض الأهل يعتبرون أن الزوجة أخذت منهم ابنهم أو العكس، فيكون هناك نوع من الغيرة الخفية التي تؤدي لاحقاً إلى عدم التفاهم بين الزوجة وأهل الزوج أو بالعكس. وكذلك عقدة "الحماة والكنّة" التي هي عبارة عن عادة مكتسبة، فبعض الحماوات يكرهن زوجة الابن "الكنَّة" فقط لأنها "كنَّة" فكيف تحبها وهي كنتها أو كيف تحبها الأخرى وهي حماتها.

* الوضع المالي: قد تتأثر العلاقات الزوجية بالوضع المالي العام أو الخاص فتعكس الحالة المادية للزوج لدى الزوجة والأولاد خصوصاً إذا لم يكن باستطاعة الزوج تأمين مستلزمات العائلة وخصوصاً الضرورية منها، فتحوِّل الحياة الهادئة إلى حياة غير مستقرة تنعكس على الحالة الأسروية فتنشأ الخلافات على أبسط الأمور الواجب تأمينها من الزوج، وإذا كانت الزوجة متعادة على مصروف مالي معين فإنها تجد صعوبة في التأقلم مع الوضع الجديد للعائلة.

* الوضع الاجتماعي: وهذا الموضوع له جوانب عديدة ووجوه كثيرة، ولكن أهمها: أن يكون أحد الزوجين له شأن معنوي خاص أو هام والآخر غير معروف ووضيع مثلاً: أن يكون أحدهما صاحب شأن علمي أو اجتماعي أو أدبي أو فني... والآخر مغمور غير معروف تصبح هناك نوع من الطبقية بينهما أو أن يشعر الطرف الآخر بالفارق الكبير بينهما مما يترك أثراً سلبياً على حياتهما خصوصاً عند تدخل الآخرين وكلامهم عن الفارق بين علم الطرفين أو وصفهما الاجتماعي أو غير ذلك.

* عمل المرأة وبطالة الرجل: أبرز ما يؤدي في هذه الأوقات إلى خلافات زوجية تؤدي إلى الطلاق هو عمل الزوجة وبطالة الرجل فتنقلب الموازين ويُصبح حق الطاعة للمرأة بدلاً عن الرجل، والكلمة لها وتصبح هي صاحبة القرار لأنه من بيده المال بيده القرار، وتصبح تصرفاتها تتجه باتجاهات خاطئة وتصرفات غير مستقرة من ناحية النفقة، فالزوج لا يملك نفقة الزوجة أو الأطفال أو أجرة المنزل، وفي حال هبوب أي نسمة ريح وليس عاصفة تتذمر المرأة وتمنن زوجها بالمأكل والمشرب وأجرة المنزل، وأنه من تعبها بينما هو مرتاح وعاطل عن العمل ولا يكلف نفسه حتى عناء إيجاد عمل، هذا في حال كان الزوج تاركاً العمل كلياً. وأما إذا كانت موظفة وهو كذلك تكون القضية أخف قليلاً ولكن النتيجة تكون مشابهة.

* الزواج الثاني أو المتكرر: تأثر أكثر الناس بمحيطنا الاجتماعي وجيراننا حيث يحرم عندهم الزواج الثاني، فأخذ البعض يدافع عن هذه الفكرة ويحرّم الزواج الثاني معللاً ذلك بأمور واهية جداً، خاصة إذا نظر المرء إلى هذا الموضوع نظرة سطحية. ولكن الزواج المتكرر فقط من أجل المتعة الجنسية أو التنقل من زوجة إلى أخرى له انعكاساته السلبية على المرأة، فقد تتقبل المرأة فكرة الزواج الثاني أي من امرأة أخرى غيرها لضرورة معينة كإنجاب الأطفال أو لبعدها عن زوجها أو ما شابه ولكنها ترفض كلياً فكرة المرأة الأخرى في حياة زوجها فقط للمتعة الجنسية، حيث تشعر أن ذلك هو إهانة لها ولمشاعرها أو قد تشعر بأن هناك نقصاً ما في شخصيتها وجسدها أو حتى روحيتها.

* معالجة الأسباب:
من هنا علينا جميعاً أن نتنبه إلى هذا الأمر الاجتماعي الخطير وهو كثرة حالات الطلاق في مجتمعنا للأسباب التي ذكرت، على سبيل المثال لا الحصر. وإذا تنبه الإخوة والأخوات إلى هذا الخطر الذي قد يقترب منهما ويحاولان معالجته قبل الوصول إليهما، فسيكون من السهل معالجته ولكن إذا وصل إليهما وتعلق بهما قد يصبح من الصعب الإفلات من براثنه. لذلك على الأهل التنبه إلى أن حياة الابن أو البنت قد تختلف عن حياتهما لأنهما خُلِقا لزمن غير زمنهما، كما يقول الإمام عليه السلام وليس دائماً التدخل بشؤونهما يكون لصالحهما ففي كثير من الموارد كان تدخلهما سلبياً كما ذكرنا.

فدعوا أولادكم يتصرفون على طبيعتهم ولكن في حال كانت الأمور تسير باتجاه خاطئ‏ ساعتئذ تدخَّلوا على طريقة الحكم وليس الطرف. اذكر في الماضي، إذا كانت الزوجة تغادر بيتها الزوجي كخلاف مع زوجها كانت العادة أن يعيدها والدها إلى بيتها وتنتهي الخلافات بذلك بعد أن يصالحهما ويذكرهما بواجباتهما الشرعية تجاه بعضهما البعض. وأما الوضع المالي فالدنيا يسر وعسر كما يقولون، والمؤمن لا يقف عند هذا الحد، فالرزق على الرازق والمؤمن ممتحن بماله وبعياله، ولا يمكن أن تنعكس الأمور المالية على حياته وحياة زوجته وعياله، فعليه أن يكون صابراً محتسباً وأجره على اللَّه تعالى. وإذا كانت الزوجة أقل علماً من زوجها أو العكس، فليعلم كلٌ منهما أن اللَّه تعالى خلق الناس درجات في الدنيا ولكن ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ فالمال والحسب والنسب والعلم والجاه كلها لا تنفع بدون الإيمان والتقوى وأن النبي صلى الله عليه وآله لم يؤكد على ما ذكر ولكنه أكد بقوله صلى الله عليه وآله: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخُلقه فزوجوه".

وإذا ساء الزمن وانقطعت السبل وترك الأب أو الزوج عمله لأي سبب من الأسباب وعملت الزوجة فلتعلم "بأنها ريحانة وليست بقهرمانة" كما ذكر مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فعملها أو تعبها لا يعطيها حق القوامة، فأجرها على اللَّه تعالى، وعلى زوجها أن يدرك أنها تعمل لراحته ولمساعدته فلا يقسُوا عليها وأن لا يعتبر أن عملها انتقاص من حقه أو شخصيته. أما الأخوة الأعزاء كثيرو الزواج والطلاق، فعليهم أن يتقوا اللَّه لأنهم قد يسيئون إلى الحالة الإيمانية وإلى الدين خصوصاً إذا لم يراعوا حق اللَّه تعالى وحق عباده لأنهم قد يقعون مع أزواجهم في مشاكل عديدة حول نفقة الأولاد أو حق رؤيتهم أو حضانتهم، وعلى كل حال عندما يتزوج الرجل عليه أن يختار من البداية الزوجة بحسب المواصفات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله بقوله: "تزوجوا الولود، الودود، العفيفة، الذليلة عند بعلها العزيزة عند أهلها... إن غاب عنها حفظته وإن عاد إليها أسرَّته".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع