نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

منبر القادة: غاية النفوس الكبيرة

الشهيد السيّد عباس الموسوي قدس سره


منذ بداية وجوده على هذه الأرض، يسأل الإنسان عن غاية وجوده، وعن الغاية من خلافة الله له على وجه الأرض. هذه مسألة أساسيّة لديه وتتعايش معه في كلّ مراحل حياته وتاريخه. وهي عند كبار النفوس، مسألة أساسية وكبيرة جداً.

*سؤال أصحاب النفوس الكبيرة
عندما يكون الإنسان رسولاً أو نبياً أو ولياً من أولياء الله، وعندما تكبر النفوس إلى هذا المستوى، تسأل سؤالاً واحداً وأساسياً: ما هي الغاية الأبعد؟ الغاية المباشرة قد تكون بسيطة وعادية، أما الغاية الكبرى، والتي هي وراء كل الغايات، لا يطلبها إلّا أصحاب النفوس الكبيرة.

من هنا، فإنّ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، عليّ بن أبي طالب، السيدة الزهراء، الحسن، الحسين، السيدة زينب عليهم السلام، أصحاب النفوس الكبيرة، كانوا يفتّشون عن غاية الغايات وهي رضى الله عزَّ وجلَّ. ما هو الهدف من كل هذه الحياة؟ فتّش عن الهدف الأعلى، تسمُ نفسك وتصفُ، ثم تصبح خادماً كبيراً للبشرية جمعاء. هكذا كان الإمام الخميني قدس سره.

*الإمام قدس سره خادم المستضعفين

قليلون جداً هم الذين اكتشفوا من هو الإمام قدس سره، وعرفوه فقط من خلال الإنجازات الملموسة. أما إذا أردت أن تسبر الأغوار البعيدة لشخصيّة الإمام، ستكتشف ولياً عظيماً من أولياء الله، لا يعرف غير الله، لا يدرك غير الله، لا يفكر في غير الله، ولأجل ذلك أعلن الإمام نفسه خادماً للمستضعفين في الأرض، وأصبح هذا الإعلان هو مَعلم شخصيته.

هنا يحضرنا السؤال: لماذا كل الزعماء في العالم، حتى الذين يدّعون الزعامة باسم الدين، لماذا كل هؤلاء لم يعلنوا أنفسهم خدماً للبشرية وللمستضعفين؛ بينما الإمام{ أعلن أنّه في خدمة الناس، ولمس الناس بأنفسهم صدقه وإخلاصه، وشهدوا خدماته الجليلة والعظيمة؟

*لم يقُل يوماً: "أنا"
نجد الفرق في هذه المسألة بين شخصية الإمام وكلّ الشخصيات الأخرى، من خلال استغراق الإمام بعبوديته لله عزّ وجلّ. الإمام كان لا يفكّر لحظة واحدة في كلمة "أنا"، علماً أنه لم تتشخّص شخصية بكلّ أبعاد معالِم الشخصية الإنسانية مثل الإمام الخميني، هو الوحيد الذي يحقّ له أن يقول: "أنا"، مع ذلك لم يقلها يوماً. كان يرفض أن يُقال له حتى كلمة: "إنك فعلت فعلاً عظيماً". واحدة من المسائل التي تُحكى عن الإمام هي ما حدث مع التلفزيون الإيرانيّ، عندما كانوا يضعون صورته في بداية كلّ برنامج، انزعج من هذه الظاهرة، ثم نهاهم عن ذلك. ولذلك الإمام مع كل العظمة في شخصيته، مع كل العظمة في خدَماته، مع ذلك كلّه كان مصرّاً أنْ يبقى في الخفاء، فلا يعلم بصَدَقته إلّا الله، لا يعلم بإنجازاته إلّا الله.

*من المصائب الكبرى
هذه الخصوصيّة كانت في الإمام، وقلّما نجدها في أنفسنا. نحن مسؤولون بالدرجة الأولى عن تهذيب أنفسنا. أنا بمجرّد أن أعطي درساً في كتاب الله العزيز، بمجرّد أن أنتهي من الدرس أطلب المديح ولو من التلميذ الذي استمع إلى هذا الدرس، فأُحِبُّه وإلّا أخرجته من قلبي. هذه ظاهرة موجودة في حياة الناس. هذه من الابتلاءات الكبرى، ومن المصائب الكبرى. إذا سعيت في حاجة إنسان فتنتظر منه كلمة شكر. إذا أردت أن تتصدَّق، أعطِ الصدقة وابتعد. ولذلك أئمة أهل البيت عليهم السلام كان بعضهم لا يُعرَف فعله إلّا بعد استشهاده عليه السلام. الناس قالوا: "لم نكتشف أنّ الذي كان يتصدّق علينا زين العابدين عليه السلام، إلّا بعد أن فقدناه". هذا هو زين العابدين عليه السلام الذي يخدم خدمةً حقيقيةً.

*"شهيد الحمار"!
هذه المسألة قد يُبتلى بها خير الناس، قد يُبتلى بها إنسانٌ مجاهد، وحتى لو كان تحت راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. في حادثة تروى أن رجلاً سقط بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهيداً، وكلّ الذين كانوا إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فرحوا لشهادته، لكنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "هذا شهيد الحمار". قيل له: "يا رسول الله استُشهد بين يديك، تعفّر بدمائه، كيف تقول عنه ذلك؟" قال صلى الله عليه وآله وسلم: هذا لما خرج معنا من الأساس، كانت نيّته أن يستعيد حماره الذي أخذوه في معركة سابقة، فصار همّه في المعركة أن يستنقذ هذا الحمار. والإنسان يوسم بغايته، يُسأل عن الغاية: غايتك مغنم دنيوي أم رضى الله؟

*نيّة القربى إلى الله دوماً في خطر
"رضى الله" ليس كلمة بسيطة. هي كلمة تبقى مهدّدة بكل الأحوال، حتّى في الصلاة، ممكن أن تقول: "أصلّي قربةً إلى الله تعالى"، وتكون متوجّهاً فعلاً لله عزَّ وجل، لكن لأنّ الشيطان يلاحقك في كلّ لحظة فيمكن في وسط صلاتك أن تصبح مرائياً، قد يتصيّدك في الركعة الأولى، في الركعة الثانية، قد يدركك ولو في السلام بعد التشهّد الأخير. "نيّة القربة إلى الله" معرّضة دائماً للخطر، معرّضة لهجمات الشيطان.

كذلك قد يخرج المجاهد من بيته صادقاً، يودّع عياله، يحمل سلاحه... كل ذلك قربةً إلى الله تعالى، لكن قد تزيغ نيّته في وسط الطريق، أو عند الحرب والمواجهة. قد يقول له أحد المجاهدين المسلمين: "بارك الله بجهودك يا فلان، إن عملك لعظيم" فتأخذه حالة الرياء، هنا سقط.

*نيّة القربة إلى الله حصن الأعمال
مسألة الامتحان الإلهي مسألة صعبة، ليست بسيطة. "قصة إبليس" ذكرها القرآن الكريم بتفاصيلها لنأخذ منها العبرة، فإبليس لُقّب بـ"طاووس الملائكة"، مع أنه ليس من الملائكة، بل من الجنّ، لكن لكثرة عبادته أصبح طاووس الملائكة. الله تعالى اختبره بمسألة بسيطة، بمسألة السجود لآدم عليه السلام: ﴿فَسَجَدُوا إِلاَ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ (البقرة: 34)، سقط في الامتحان الإلهي.

نحن مطالبون ومسؤولون بين يدي الله، لذلك علينا أن نلاحظ نيّة "القربة إلى الله" دائماً بالمعاملة، بالعبادة، أن تنوي كل عملٍ من أعمالك "قربةً إلى الله". عندها تصبح نيّة "القربة إلى الله" عادة، تصبح سلاحاً، تصبح حصناً يحصّن كل أعمالك وكل أفعالك في مواجهة هجمات الشيطان ووساوسه.

*مشهدهم أبكى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
في سيرة السيدة الزهراء عليها السلام، تجدون إخلاصها في كلّ شيء، عندما كانت تتصدّق وعندما كانت تجاهد... السيدة الزهراء عليها السلام مضافاً إلى عصمتها هي سيدة النساء، كانت تعتبر مسألة خدمة الناس أساساً، جزءاً من تربيتها الأساسية، وجزءاً من شخصيتها.

... يكفي أنّ القصة التي نزلت فيها سورة "الإنسان" ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (الإنسان: 8) هذه الآية المباركة نزلت في فعل كل أهل البيت عليهم السلام، لكن السيدة الزهراء عليها السلام كانت هي الأصل، هي الأساس، كانت صائمة مع أنّ بُنيتها ضعيفة، وصائمة كل النهار، وفي وقت الإفطار تتصدّق في اليوم الأوّل بفطورها، وتواصل نهارها بالصوم في اليوم الثاني. في اليوم الثالث تقول الرواية: دخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ يبكي، مشهدهم أبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. علي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام؛ يعني خير خلق الله، بكى لحالهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

السيدة الزهراء عليها السلام لم تفكّر في نفسها حين تصدّقت بالإفطار خلال ثلاثة أيام ولم تنظر إلى نفسها ولا إلى أطفالها. الحسن والحسين عليهما السلام وهما طفلان صغيران ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ (الإنسان: 8–9) ما هو الهدف؟ لماذا؟ الجواب: ﴿لِوَجهِ ?للَّهِ. فاجعل عملك خالصاً لوجه الله، هذا الأساس، هذا الميزان.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع