نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أمراء النصر: الأسير المحرر رياض توفيق كلاكش‏

سمير قاسم


بطاقة الهوية
الاسم:
رياض توفيق كلاكش‏
اسم الأم:
إنصاف عاشور
محل وتاريخ الولادة:
دبين 1967
الوضع العائلي:
متزوج وله ولد
مكان وتاريخ الأسر:
الخيام 16-2-1986
تاريخ التحرر
: 23-5-2000


إنتعل حذوة الجهاد، إمتطى صهوة العز، جال بعينيه وقلبه في الآفاق، داس الشوك، نثر الرياحين، أفاح العبق في ليل الغسق، ودّع النوم، نبذ السبات وهو لم يزل في مقتبل العمر وهذه حكايته.

* أراده اللَّه أسيراً
في ليل معتوتمٍ ماطر شديد العصف والقصف قد اكفهرّت ساعاته وتجهّمت أرجاؤه واختلطت أصواته وامتزج الرعد فيه بدوي المدافع وهدير الآليات، انتفض رياض من مكمنه وراح يحدق في عيون إخوته القابع معهم في قبوٍ على أطراف بلدة شقراء. إنه حقاً لمشهد ذعرٍ لفّ ذاك الليل الصاخب حتى ولكأن الرعب كله قد اجتمع واصطدم!... فالعدو منتشر في كل مكان وعملاؤه يجولون خلال الديار يعيثون فساداً ويعتدون على كرامات الناس بحجة البحث عن مجاهدي المقاومة الإسلامية الذين وبعون اللَّه تمكنوا من أسر جنديين صهيونيين على طريق بيت ياحون وانسحبوا بهما إلى خارج المنطقة المحتلة مما سلب العدو لبَّ عقله وزاد من هستيريته... ودفع بآلات القتل لديه... ملأ الأرض... غطّى السماء وراح يرمي جام غضبه وحقده، أنه السادس عشر من شباط عام 1986. تسلّل رياض بخفةٍ وصمت وخرج من فتحة القبو متأملاً مستوضحاً، التصق بجزع شجرة علّه يرى أو يفهم ما يجري لكن الظلام الدامس لم يعنه على ذلك... لا شي‏ء سوى الهدير والأزيز والدوي بين الفينة والفينة أشبه بصياحٍ لا يُفهم وشهبٌ تلمع هنا وهناك.

ومرّت الساعات ورياض يتنقل بحذر، مشدوه الأحاسيس والجوارح وإذْ به يرى من بين البريق الراعد حلمه الواعد. إنه لطالما قطع الفيافي وعبر الأنهر رغبةً بقتالهم... ها هم الآن يتقدمون نحوه... قرائن تؤكد مدى قربهم... حفيفٌ وقرقعة... وأشباه ظلال... لم يأخذه الرعب ولم يرتبك بل صلّى في قرارة نفسه وراح يلهج بذكر اللَّه مترنماً بأسماء الشهداء مستحضراً من ذاكرته صورة شقيقه الاستشهادي أبي زينب وعادت به الذاكرة إلى الليلة الليلاء نفسها التي غادر فيها بلدته »دبين« فاراً تحت جنح الظلام من ملاحقة الصهاينة له، عابراً الحقول والأودية يتحدى الموت على بركة اللَّه ميمماً وجهه شطر المناطق المحررة متهيئاً للالتحاق بثغور المقاومة. أخذ يراقب ويصغي، وتأكّد من وضعية سلاحه وعتاده وجهوزيته، وتسمّرت عيناه إذ لاح له مجموعة جنود صهاينة على بُعدٍ وشيكٍ منه... أبداً لم يرتعد بل تريث مستطلعاً مترنماً بنداء اللَّه أكبر ونار الشهادة يلمع من فوهة بندقيته غير عابى‏ء بمصيره فإنها الدرب التي اختارها ونِعْمَ الاختيار. عشق الشهادة وأرادها لكن اللَّه أراده أسيراً.

* في معتقل الخيام‏
اقتيد رياض مكبل اليدين والرجلين معصَّب الرأس والعينين إلى ملعب المدرسة في شقراء حيث كان العدو قد اقتاد العشرات من أمثاله. كان الوقت فجراً عندما تقدّم أحد الضباط الصهاينة من رياض مستنطقاً... ويبدو أن استنطاق رياض لم يرق لمزاج الضابط الصهيوني الذي اعتبره صيداً ثميناً. فأوكل المهمة إلى العميل السفاح حسين عبد النبي، وحدّث عن التعذيب ولا حرج... وعند الضحى ألقي برياض مع ثلةٍ مجاهدة داخل ملالة صهيونية إلى مركز ال17 في بنت جبيل وهناك محطة لا بد منها من محطات التعذيب ليقاد بعدها إلى أفظع وأرهب محطة تعذيب عصرية... إلى معتقل الخيام... وهكذا دخل رياض إلى معتقل الخيام ولظى النار، يستعر في قلبه نار القلق على مصير إخوته الذين تركهم في ساح الوغى. في معتقل الخيام. عذابات وتعذيب تترك شواهدها مدى الحياة... سياط وعصي تتآكل من شدة الضرب وفظاعة اللَّكم. صدمات كهرباء وترويعٌ وإغماء. ولكن هيهات هيهات أن يتفوه رياض بحرف أو ينطق بكلمة... أيخون وهو المؤتمن، أيضعف وهو المعاهد... مما زاد جام غضبهم وصب نار حقدهم إلى حد الإنذار بالتصفية الجسدية. ل

كن رياض الصابر المحتسب أبى أن يعترف بأسرار قد تؤثر على المقاومة التي عشقها وذاب في خطها ونهجها. وهكذا على مدى أشهر بقي رياض مقيداً مكبلاً مرمياً في ممر المعتقل لا يعرف ليله من نهاره معصّب العينين من دون طعام أو شراب إلا ما يسد الرمق ويمنع عنه الموت حتى غدت الكلبجة جزءاً من معصميه التي قرّحها حديدها وأنهكها.

وتمر السنون ورياض قابع متنقّل بين الزنازين. عَلِمِ بوفاة شقيقته نوال وسوء حالة والديه الصحية. لكنه سلّم بقضاء اللٌه وقدره متسلحاً بتلاوة القرآن... مستأنساً بالدعاء فهو سلاحه الأخص عند الشدائد. وذات يوم من صيف عام 1992 علم باعتقال شقيقه الأكبر عادل الذي عاد من السفر مؤخراً والتحق بصفوف المقاومة ضد المحتل الغاصب... كما علم أن العدو أبعد ذويه عن منزلهم وأرضهم في "دبين" إلى ضاحية بيروت دون أن يسمح لهم بإنقاذ حتى ملابسهم وأغراضهم الخاصة. كما وأعيد فتح ملفه واقتيد إلى التحقيق والجلد من جديد بتهمة كتم معلومات عن الاسم الحقيقي لمنفذ عملية أبو زينب الاستشهادية بعدما انكشف لهم أن أبا زينب هو عينه الشهيد عامر كلاكش شقيق رياض ، كان رياض يعلم ذلك وكيف لا وهو من ساعد في تجهيز العملية ولكنه لم يعترف بذلك في التحقيق.

* رغم الاعتقال‏
أحب رياض العلم وانكب على تحصيله بتعطش ونهم... إنما تحصيل العلم كان مشافهةً فيما بين المعتقلين والحفظ غيباً، كان رياض يحفظ إضمامة وافية من الأدعية والخطب وما يناهز العشرين جزءً من القرآن، شأنه شأن معظم المعتقلين. زاد ولعه بالعلم بعد العام 1995 حين دخول الصليب الأحمر الدولي المعتقل وما حمل معه إليهم من كتب متنوعة والرسائل المتبادلة مع الأهل وزياراتهم الفصلية التي خفّفت لظى الفراق. قابل رياض خطيبته لأول مرة... وكان اللقاء وكان العرس الأكبر في الثالث والعشرين من شهر أيار عام 2000 بفرحة ممزوجة بفك الأسر وزوال الاحتلال الذي غدا هذا اليوم عيد النصر والتحرير وانتصار الحق على الباطل. تزوج رياض من خطيبته الوفية ندى عاشور وسكن في بلدة شقراء على مقربة من القبو الذي التجأ إليه لحظات الأسر ورزق طفلاً ذكراً سماه علي. وهو ما زال يتابع خطه الجهادي.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع