صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

السعادة الحقيقية من أين تأتي السعادة؟


الشيخ محمد شقير


إن السعادة ضالة الإنسان يطلبها بجهده ويسعى من أجلها بعمله ويتعقبها بكدّه، وإن حصل عليها يدركها ويأنس بها وإن فقدها يتألم لفقدها ويسعى ليجدها.

* موطن السعادة
السؤال الأساسي الذي يجب طرحه هنا هو: من أين تأتي السعادة؟ فهل تأتي من خارج النفس الإنسانية من المال والجاه واقتناء الدار والعقار وامتلاك الدرهم والدينار أم أنها تنبع من داخل النفس ومن أعماقها؟ قد يتوهم البعض أنه يصل إلى السعادة إذا ما وصل إلى المال فتراه يكدّ ويجدّ ليصل إلى المال بعد المال ولينعم برفاهيةٍ في الحال، لكن تراه إذا وصل إليه وحصل عليه، يسعى إلى غيره، باحثاً عن ضالته، لعله يجده في جاهه أو في شهواته لكنه لن يجد إلا سراباً يتلوه سراب.

إنَّ السعادة ملازمة لكمال الإنسان وليست شيئاً خارجاً عن كمالات النفس الإنسانية، إن السعادة موطنها نفس الإنسان، وهي لا تأتي إليه من خارج تلك النفس. فمن أراد السعادة عليه أن يطلبها من مظانها، ومن أراد الاقتران بها عليه أن يخطبها من أهلها. إذا قلنا أن الذي يتذوق السعادة هو النفس فمن أي البساتين تُقطف هذه السعادة، هل تقطف من بساتين الدنيا ومقتنياتها؟ وقد رأينا أن الذي يحصل على ثمرة من ثمار الدنيا تراه يتركها إلى غيرها فلو وجد فيها سعادته لما تركها ولو عثر عندها على أمنيته لما هجرها لأن الإنسان لا يمل من السعادة، كيف وهي أمنية شائق يتمنى.

* طريق السعادة
إنَّ كمال الإنسان هو طريق إلى السعادة لأن الإنسان بكماله يقترب من بارئه وإذا اقترب من بارئه يزداد قرباً إلى صفاته تعالى وإذا اقترب من صفاته فإنه يأخذ قبساً من نورها ويودعه على مشعل من المشاعل المنطفئة للنفس والسابحة في ظلماتٍ بعضها فوق بعض فتضي‏ء له المشكاة وينبعث النور من المصباح فتنكشف دياجير العتمة ليفصح الإشراق عن نفسه متحدثاً بلغة النور. إنَّ السعادة الحقيقية هي من اللَّه تعالى وقد أسكنها في تربة النفس وهي تنبت بماء العبادة وتنمو بضياء اليقين وتورق بالتخلق بأخلاق اللَّه تعالى وتثمر بالاستهداء بهدي المعصومين محمد وآله الطاهرين عليهم السلام ومن هنا يمكن لنا أن نقول أن السعادة كامنة في أعماق النفس وهي تحتاج إلى تلك العوامل التي تنبهها وتنميها إذ أن وجودها على نحو القوة في باطن النفس يتطلب تلك الأسباب التي تخرجها إلى حيّز الفعلية وهذه العوامل والأسباب يجب أن نقتبسها من أهل اللَّه تعالى الأدلاء على هديه وسعادته. وبالتالي فإن هذه السعادة تحتاج إلى سعي وكدح من الإنسان لأنه إن اقترنت السعادة بالكمال فإن هذا الكمال لن يتأتّى إلا بجهادٍ للنفس الأمارة وبرياضةٍ لها تحن معها إلى القرص مطعوماً وتقنع بالملح مأدوماً.

* حول السعادة
وعليه لا بد من إجمال هذه النقاط حول السعادة الحقيقية لبني الإنسان:
1- إنَّ السعادة الحقيقية هي السعادة التي يستخرجها الإنسان من داخل نفسه ولا يستقدمها من خارج تلك النفس وإلا سوف يضلّ السبيل إليها.
2- إنَّ اللَّه تعالى كما أودع كوامن تلك السعادة، فقد أرشدنا إلى الطريق الذي يمكِّننا من تفتح براعمها في حنايا تلك النفس ومشاعرها ووجدانها.
3- إنَّ الوصول إلى ثمار السعادة منوط باسترشاد من جعلهم اللَّه تعالى الهداة إليه والأدلاّء على سبيله وهم أنبياء اللَّه تعالى وأوصياؤهم الطاهرين.
4- إنَّ مهر السعادة جهادٌ للنفس أكبر وتزكيةٌ لها وترويض لميولها وتأديب لها بآداب اللَّه تعالى وهو ما يحصل بمصباح العبادة.
5- إنَّ السعادة أمر كسبي لأن الكمال المؤدي إليها هو أيضاً أمر كسبي وهو لا ينال إلا بالعناء والناس في ذلك سواء، إلا من اختصهم اللَّه تعالى بفضله.

إنَّ من يسعى للوصول إلى صفات الكمال يدرك أن ما يسعى إليه لا بد أن يحصل عليه وأن ما ربحه فإنه لن يخسره وأن ما وجده لن يفقده وأن ما ملكه لن يفارقه وأن نفعه مأمول وشره مأمون وأن خيره للدنيا والآخرة وأن برّه للعاجل والآجل فكيف لا يسعد من حظي برضوان اللَّه وفاز برضاه وعاين الفوز بروح اليقين واستشرف الكرامة بعين الطاعة فكان والجنة كمن قد رآها فهو بها من المنعَّمين وبنعمائها من الفائزين.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع