نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تحريم الجدال في الحج


دروس من فتاوى الحج‏: تحريم الجدال في الحج (درس في آداب الحوار والمناظرة).
الشيخ محمد خاتون‏


﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ

إن الحديث عن الجدال في الحج يدفعنا بداية إلى إيضاح نقطتين:
الأولى: في معنى الجدال... وهو التخاطب بلغة لا تؤدي إلى نتيجة وأقله أن يقول القائل لا واللَّه وبلى واللَّه...

والثانية: في أهداف الحج... حيث أن قول اللَّه عز وجل: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ... يوضح لنا أن هناك مجموعة من الأهداف والمنافع تتحقق من خلال الحج... وهذا ما لا يمكن للإنسان أن يتوصل إليه بمجرد التواجد في بعض الأماكن... بل إن هناك واجبات وأجزاء وشروطاً لا بد منها حتى تحصل تلك المنافع والأهداف. وإذا أردنا بعد هذا البيان أن نأتي إلى تفاصيل الأعمال المتعلقة بالحج الإبراهيمي... فإننا نجد أن كل هذه التفاصيل إنما يراد منها خلوص الإنسان من رواسب وعلائق هذه الحياة الدنيا والتعلق الدائم باللَّه تعالى. ومع الأخذ بعين الاعتبار أن النبي صلى الله عليه وآله قد اغتنم فرصة الحج ليبدأ برسم المعالم الأساسية لدولة الإسلام في المدينة المنورة... في بيعة العقبة الأولى والثانية... نصل إلى نتيجة أولية... وهي أن الحوار الذي لا بد منه لحصول مجموعة من الأهداف... لا علاقة له بالجدال المنهي عنه... وذلك لأن أحد الأهداف من الحج أن يتعارف المؤمنون ويتدارسوا في شؤونهم... ليكون هناك خلوص سياسي واجتماعي وفكري للَّه سبحانه وتعالى... طبعاً مع ما يقتضيه ذلك الأمر من الحوار المبني على أسس سليمة.

وبعد هذا نقول إن الجدال المنهي في الحج هو المنهي عنه في غير الحج أيضاً... إلا أن الحج له خصوصياته التي تجعل الأوامر والنواهي أكثر تشدداً وهذا ما نلحظه في النهي عن الفسوق في نفس الآية المباركة حيث أن الفسوق هو السباب كما عن الإمام الصادق عليه السلام في قول اللَّه تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ . والرفث: الجماع، والفسوق، الكذب والسباب، والجدال قول الرجل: لا واللَّه، وبلى واللَّه. وهنا نسأل يا ترى ما هي الخصوصية التي تجعل هذا الأمر أكثر حرمة؟

إن الأهداف التي تؤخذ في الحج سواء ما أشار إليها القرآن الكريم وعبر عنها بالمنافع.... أو ما أشير إليها في الروايات الشريفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام... والتي يجب الوصول إليها تقف مجموعة من الموانع دون تحققها... ومن أهم تلك الموانع الجدال الذي لا يجدي نفعاً بل يعتبر تضييعاً للفريضة الإلهية... وهنا لا بد لنا أن نأخذ بعين الاعتبار معنى كلمة الحج فهي من الألفاظ المنقولة التي أصبحت تعني التواجد في الأماكن المعلومة في الأيام المعلومة وبكيفية معلومة أيضاً... إلا أنه لا بد من الالتفات إلى المعنى الأصيل لكلمة الحج... فهي تعني القصد... هناك توجه قلبي في هذه الرحلة إلى اللَّه تعالى... من قطع المسافات إلى التنقل بين المناسك... إلى أفعالها... وغير ذلك هناك رحلة القلب إلى اللَّه التي تحتاج إلى ما يشدها نحو الهدف... وإلى التخلي عن كل ما يحول بينها وبينه ولا شك أن الجدال بالمعنى الشرعي له مما يقف في طريق تلك الرحلة إلى اللَّه... ألا يرى أحدنا أنه إذا كان في طريقه إلى هدف معين... وحصل ما يعيق في الطريق.... أن خلو الطريق من المعوقات هو أسرع في الوصول... هل يكون أحدنا سائراً إلى محبوب مادي وهو يتلهف شوقاً للوصول إليه... فيعترضه معترض بفعل أو بقول... هل تراه يصغي إلى قوله أو فعله... ويحاول الانتقام لنفسه فيبذل جهده ووقته وفكره... ويحفز عواطفه وأحاسيسه من أجل ذلك المعترض؟ أم تراه لا يلقي إليه بالاً لأن مقصد رحلته يجعل كل شي‏ء تافهاً ولا يستحق عناء الرد لا بقول ولا بفعل. وكلما ازداد الهدف محبوبية عند المحب كلما ازداد لامبالاة له...

إن مثالاً كهذا يمكن أن نضع أيدينا على مئات من النماذج له في حياتنا اليومية... وفي موضوعنا نحاول أن نصور ما يمكن أن يتصوره المحب في رحلة الحج إلى اللَّه تعالى... فليس هناك أقدس من هذا المقصد... إلا أن كثيراً من الناس يمكن أن يوقفهم في هذا الطريق معترض... ولعل الجدال هو من أبرز حالات هذا الاعتراض... حيث يكون تسجيل انتصار على الخصم حتى من خلال (لا واللَّه وبلى واللَّه) كما تقول الروايات والفقهاء... يشكل عاملاً من عوامل التوقف في ذلك الطريق ولو كان هذا التوقف المعنوي يسيراً... لأن مثل هذا الجدال بكل معانيه يضر بصحة القصد... الذي أخذ في أصل معنى الحج الشرعي. وهنا قد يقال إننا أخذنا معنى من معاني الجدال وهو الكلام بلا طائل ومن دون جدوى أو الكلام الناشئ عن حالة من الخصومة وبنينا عليه ذلك فإنه عندئذٍ يمكن أن يتحقق ... الجدال بالنسبة إلى القصد... لأن التلهي بالجدال بهذا المعنى... يصرف الحاج بشكل واضح عن هدفه الكلي بالمعنى الذي ذكرناه سابقاً أو عن أهدافه التي تذكر عادة في الحديث عن هذه العبادة الفريدة... وأما إذا قلنا بأن الجدال إذا كان معناه أن يقول القائل لا واللَّه... وبلى واللَّه كما يحدد بعض الفقهاء... فلا يتحقق عندئذ ما ذكر سابقاً. ولكننا نقول: إن الجدال بهذا المعنى إن أخذنا به وأردنا أن نبني عليه فإننا يجب أن نتفهمه من خلال إضاءتين.

 الأولى: إذا كان الجدال بمعنى الحلف... فقد يكون داخلاً تحت قوله عزّ وجلّ: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ .

الثانية: إن الحج الذي هو عبادة مقدسة تتطلب من الإنسان أن يتخلص من كل شي‏ء ليتعلّق باللَّه تعالى... فلا يكون للتعب والنصب الذي يصاب به في هذه الأيام المعلومات أي أثر سلبي لأنها وقعت في عين اللَّه الذي تجرد هذا الحاج له... وعلى هذا فإننا نجد الجدال بهذا المعنى أيضاً كما هو الحال في المعاني السابقة... يمنع من وصول الحاج إلى هدفه وذلك لأن الاستعانة باللَّه تعالى لتحصيل أمر دنيوي وهو في طريقه إليه يحول الهدف إلى وسيلة والوسيلة إلى هدف.. حتى ولو كان يهدف من وراء الحلف إلى إظهار حقانية مسألة دينية أخروية لأن إثبات مثل هذا الأمر عندما يكون أمراً شخصياً فإنه لا يمكن أن يقف مقابل المصلحة العليا للشخص والمتمثلة بأداء فريضة الحج بانقطاع كامل إلى اللَّه سبحانه وتعالى. والفارق واضح جداً بين الأمر بذكر اللَّه تعالى في قوله عزّ وجلّ ﴿:وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ  وبين ما نحن فيه.. لأن ذكر اللَّه تعالى في الآية يقع عاملاً مقوياً لوصول المرء إلى الغاية إن لم يكن هو الغاية بذاتها بينما هو في الحالة الثانية آت في الاتجاه المعاكس الذي يعيق الحركة في الطريق.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع