نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أخلاقيات المهن: الإدارة الإسلاميّة: قيم أبويّة


أ. حسين النمر(*)


تعتبر القيم من المحدّدات الرئيسة للسلوك الإنسانيّ العامّ، وفي داخل المنظّمات بشكلٍ خاصّ، باعتبار أنّ الإنسان العامل لا يأتي إلى هذه المنظّمات صفحة بيضاء، بل يأتي محمّلاً بالأفكار والقيم التي لا بدّ لها أن تترك بصماتها على تصرّفاته كفرد، ومن ثمّ تمتدّ لتؤثّر على سلوك الجماعة داخل تلك المنظّمات.


ولذلك كان من المهمّ جدّاً أن يفهم المديرون أنفسهم هذه القيم التي يحملونها بالدرجة الأولى، والقيم التي يحملها العاملون معهم أيضاً، من أجل خلق القيم الإيجابيّة التي تساعدهم على تحقيق أهدافهم على مستوى المنظّمة، وبالتالي تحقيق الأهداف العامّة للمجتمع.

*مفهوم السلطة وإساءة استعمالها
السلطة هي الحقّ أو الصلاحيّة أو الحريّة في اتخاذ قرار ما أو عمل أمر معيّن. يتجلّى مفهوم إساءة استعمال السلطة من خلال قيام صاحب السلطة بعمل سياسي يرمي من خلاله إلى تحقيق مصلحة فرديّة، وتكون هذه المصلحة متعارضة مع المصلحة العامّة، وقد يطلق على هذا المصطلح "الانحراف بالسلطة".

* إساءة استعمال السلطة بين المدير وعامليه
يعتبر الإسلام أنّ علاقة المدير بعامليه يجب أن تكون علاقة عائليّة بحيث يصبح المدير هو الأب الذي يعطف على عامليه، وذلك كما جاء على لسان الإمام عليّ عليه السلام في عهده إلى مالك الأشتر: "ثم تفقّد من أمورهم ما يتفقّد الوالدان من ولدهما ولا يتفاقمن في نفسك شيء قوّيتهم به"(1)، وفي قوله أيضاً: "ولا تقولنّ إنّي مؤمَّر آمُر فأطاع فإنّ ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين"؛ أي أنّ عمليّة الاتصال بالعاملين يجب أن لا تكون على أساس الإطاعة العمياء بحيث تقول لهم إنّي مؤمّر بهذا العمل وعليكم الطاعة دون نقاش، بل لا بدّ من إبقاء هامش مرونة بين المدير والعاملين. أيضاً في قول آخر له عليه السلام: "ولا تكونّن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنّهم صنفان إمّا أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق". وهنا إشارة أخرى إلى كيفيّة تعامل المدير مع العاملين.

من جهة أخرى يجب أن ينظر المدير إلى حاجات عامليه المعنويّة والماديّة، ويحاول إشباعها لهم لترتفع معنويّاتهم فتزيد بذلك إنتاجيّتهم.
فالإمام عليّ عليه السلام حضّ على ذلك بقوله: "وافسح له في البذل ما يزيل علّته وتقلّ معه حاجته إلى الناس".

وأمّا الاهتمام بحاجاتهم المعنويّة فقد أشار له بقوله:
"فافسح في آمالهم وواصل في حسن الثناء عليهم وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم".

* أهميّة القيم في ضبط السلطة
يقصد بالقيم تلك المعتقدات أو المقاييس التي يؤمن أصحابها بقيمتها، ويعتبرونها هامّة لهم ولغيرهم بحيث يلتزمون بمضامينها ويطالبون الآخرين بتحقيقها وترجمتها في سلوكيّاتهم.
لذلك، فإنّ القيم تحدّد السلوك المقبول والمرفوض والصواب والخطأ، وهي مُنشئة للسلوك وأداة تعامل وتهذيب له، وبذلك تبقى غاية أو مطمعاً حتّى يتمّ العمل بمقتضاه. وتكمن أهميتها في:

1. اعتبارها محرّكات للسلوك وموجّهات رئيسة للالتزام بمقتضياتها.

2. اعتبارها بمنزلة العامل الأساس الذي يؤدّي إلى وحدة وتماسك الثقافة العامّة، ووحدة وتماسك الجماعات والمنظّمات، حيث تعتمد هذه الوحدة وهذا التماسك على درجة توحّد القيم وتماسكها وتكاملها.

3. اعتبارها بمنزلة المحدّد الرئيس لوضع الأهداف والسياسات والأساليب، والضابطة الأساس في التفاعل مع متطلّبات وحاجات الجمهور، وهي بذلك تساعد على وضوح العلاقات والمسارات الحركيّة (السلوكيّات) اللازمة لإنجاز الأهداف.

* العلاج في قيم تحكم السلطة
تختلف القيمة الأساس بين نظامٍ وآخر، حيث تعتبر العدالة هي القيمة الأساس في الإسلام، وتعتبر الحريّة هي أساس النظام الرأسماليّ أو اللّيبراليّ. أمّا في النظام الاشتراكيّ فالمساواة هي القيمة المركزيّة التي تحكم نظامهم العام والنظام الاقتصاديّ بشكلٍ خاصّ. وأخيراً، فإنّ قيمة التعاون وروح الفريق هما شعار الإدارة اليابانيّة الحديثة فمنهما يستمدُّ اليابانيون قوّتهم وعلى أساسهما يبنون مجتمعهم. وقد يشكّل بعض القيم قاسماً مشتركاً بين عدّة أنظمة ولكن قد تختلف أولويّتها بين هذه الأنظمة، بحيث يكون بعض هذه القيم في خدمة القيمة الأساس:

أ- العدالة:

﴿وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ. من هنا فإنّ العدالة هي القيمة الأساس التي يتحرّك من خلالها الإنسان المسلم. تتجلّى صور العدالة في المودّة والرحمة والتعاون والإتقان والقوّة والمشاركة.

ب- المساواة:
1. قيمة إنسانيّة جماعيّة.
2. توجد عندما تظهر التفاوتات بين الأشخاص بحيث تعمل هذه القيمة على إزالتها، فهي قاعدة تحكميّة تتدخّل في سير العلاقة بين الأطراف لتعيد تنظيمها دونما توازن ولو كان ذلك على حساب أحد الأطراف أو بعضها.
3. يمكن أن تكون سلوكاً واعياً عاقلاً ومحايداً ويمكن أن لا تكون كذلك.
4. المساواة قيمة متناقضة مع نفسها كالمساواة بين المتنافسين.
5. المساواة قيمة سلبيّة تحدّ من طاقة أطراف لحساب أطراف أخرى.

ج- الحريّة:
1. قيمة إنسانيّة فرديّة لا تفيض من الجماعة، بل من الأفراد.
2. قيمة فرديّة تنبع من الأنا الإنسانيّة، قد تخلق الصراع ويكون البقاء للأقوى.

د- التعاون:
قيمة جماعيّة موحّدة وهي تنمّي الروابط المشتركة، وتساعد الفرد على إشباع حاجة الانتماء، كما إنّها تنمّي الشعور بالمسؤوليّة الجماعيّة.

هـ - مقارنة العدالة بالمساواة:
العدالة مضمون موحّد والمساواة مضمون مزدوج. "القيمة العليا موحّدة"، بينما العدالة محايدة والمساواة متحيّزة. "القيمة العليا موحّدة".
- القيمة العليا مقبولة من الجميع، وهذا ما ينطبق على العدالة ولا ينطبق بالضرورة على المساواة. وبذلك فإنّ الازدواجيّة والتحيّز وعدم المقبوليّة من الجميع والسلبيّة جميعها تشكّل أرضاً خصبة للتجاوزات ولإساءة استعمال السلطة.

و- مقارنة بين العدالة والحريّة:
القيمة العليا للجماعة لا بدّ أن تكون جماعيّة لا فرديّة. فالعدالة تفترض وتحترم قواعد وجود السلطة: كالقانون، والمسؤوليّة، والمشاركة، والتوازن والقوّة... إلخ. والحريّة تسخّر السلطة من أجل خدمتها وتركّز على الفرديّة.
وبذلك فالفرديّة وتحقيق المصلحة الفرديّة بغض النظر عن الوسيلة المتّبعة تعتبر أبرز مظهر لإساءة استعمال السلطة.

ز- مقارنة التعاون وروح الدين بالعدالة:
العدالة قيمة عليا كليّة أما قيمة التعاون فهي جزئيّة وتعتبر تجلّياً من تجلّيات العدالة، فالعدالة هي إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه بغضّ النظر عن الداخل والخارج.

وفي النهاية لا بدّ من الإشارة إلى أنّ القيم تبقى قيماً نظريّة مجرّدة إذا لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ (هذه هي مشكلة المسلمين في عدم رجوعهم إلى أسمى القيم وأرقاها وهي قيمة العدالة، وترجمة هذه القيمة في سلوكهم العمليّ).


(*) باحث متخصص في تنمية الموارد البشرية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع