صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

اقتصاد: النظام الاقتصادي في الإسلام

آية الله الشهيد مرتضى مطهري

* مراحل الحياة الاجتماعية والاقتصادية
المسألة الأخرى ترتبط بالناحية الاجتماعية والاقتصادية والمراحل التي طوتها البشرية في هذا المجال. فباعتقاد الاشتراكيين أن البشرية قد مرّت منذ البداية وحتى العصر الحاضر في أربع مراحل، هي:
أ- الاشتراكية البدائية.
ب- الإقطاعية.
ج- الرأسمالية.
د- الاشتراكية.

ينبغي أن نقارن ونطبّق هذه الأقوال والأطوار مع تحقيقات المؤرخين والباحثين في تاريخ التمدن؛ أي ينبغي النظر في المراحل التي طوتها البشرية في جميع شؤون الحياة من الثقافة والسياسة والعقائد الديني حتى تتّضح أيضاً المراحل الاقتصادية. وسوف نقوم بمعالجة هذه القضية في البحوث اللاحقة إن شاء الله.

* علم الاقتصاد
طبقاً لما قلناه سابقاً لدينا نوعان من العلاقات الاقتصادية: العلاقات الطبيعية والعلاقات الاعتبارية والجعلية. بلحاظ العلاقات الطبيعية، فإن العلم بقوانين الطبيعة كما هي، هو علم نظري واختلاف الرأي في هذا العلم من قبيل الاختلاف على العلوم النظرية، ممّا يعني أنّ الاختلافات سوف تكون قليلة ومحدودة، ولكن بلحاظ العلاقات الاعتبارية فإن علم الاقتصاد هو العلم بالعلاقات التي ينبغي أن توجد.
وفي القسم الثاني يأتي الحديث عن العدالة والظلم والحسن والقبح وما ينبغي وما لا ينبغي وبتعبير آخر الحديث عن الجوانب الأخلاقية. ولا يفصل عادة في الكتب بين هذين القسمين، ومن هنا تنشأ الأخطاء والشبهات الكثيرة.

فعلم الاقتصاد بالمعنى الأوّل له أصول ومبادئ. ولا يوجد لأي واحد من القوانين والمقرّرات في علم الاقتصاد بالمعنى الثاني تأثير على الأول، إلا عندما تأتي مرحلة العمل والواقعية العينية، فالأمور الاعتبارية من حيث هي اعتبارية لا تؤثر مطلقاً على الأمور العينية والواقعية إلا بعد أن تنزل إلى مرحلة العمل.

ولكن قواعد وقوانين علم الاقتصاد العملي. يقول نوشين في كتابه "أصول علم الاقتصاد" (ص 5):
"يجب العلم أن علم الاقتصاد قسم من علم الاجتماع ويبحث بشأن العلاقات التي تنشأ في حياة الناس في المجتمع... فعلم الاقتصاد يبحث فقط في العلاقات التي تنشأ بين الناس على أساس الإنتاج وتوزيع حاصل العمل. وتسمّى هذه العلاقات عادة بمناسبات الإنتاج".

ولا يعطي توضيحاً في المقصود هل هو العلاقات الاعتبارية الوضعية أم العلاقات الطبيعية. (ص 6):
"مرة أخرى يجب أن نقول هل أن علم الاقتصاد يستقرىء ويبحث في جميع علاقات الإنتاج بين البشر؟ كلا، وللمثال هناك نوع من الاقتصاد الطبيعي...".
ثمّ يفصل الحديث عن الاقتصاد الاشتراكي القديم والحديث ووجه الاشتراك بينهما وإنهما يداران بواسطة الإرادة مع الشعور البشري ويضرب مثالاً عن الاقتصاد الرأسمالي الذي هو مجموعة من التنظيمات المشتتة وغير المتمركزة. ثم يقول في (ص 7):
"هنا يجب أن نسأل كيف يمكن أن يستمر هذا التجمع اللامنظم ويوازي ما بين احتياجات الناس والإنتاج؛ بالطبع يوجد قوانين تؤثر في العلاقات الفوضوية للمجتمع الرأسمالي، ولكن هذه القوانين تؤثر تلقائياً وبدون أن تتبع إرادة وميول المشتركين الواعية في الإنتاج. وهذا هو الاختلاف الاد بين هذه القوانين والقوانين الاقتصادية الطبيعية- سواء الاقتصاد القبلي القديم أو الاقتصاد الاشتراكي المستقبلي. وموضوع بحث ومطالعة علم الاقتصاد هو نفس القوانين البدائية التي هي المنظم لعلاقات الإنتاج في المجتمع الرأسمالي".

ومن هنا يعلم أن قصد الكاتب من "العلاقات الاقتصادية" التي تحدّث عنها في بداية الأمر هي العلاقات الطبيعية، لأن العلاقات الاعتبارية والوضعية موجودة أيضاً في المجتمع الاشتراكي. وما هو منشأ اختلاف بين يشتبه الكثيرون عند الحديث عن الاقتصاد فيما بين القوانين الطبيعية والقوانين الاعتبارية المجتمع الاشتراكي والمجتمع الرأسمالي هو أن المجتمع الرأسمالي يدار بالقوانين الطبيعية أما المجتمع الاشتراكي فبالقوانين الإرادية والاختيارية.
ثم يقول:
"يمكن أن نستنتج ممّا سبق أن علم الاقتصاد لن يجد في الاقتصاد الطبيعي القديم والمجتمع الشيوعي اللذين يداران معاً بواسطة الإرادة الواعية أي موضوع قابل للبحث.
وبالتأكيد يلزم أن ينشأ علم جديد يبحث في العلاقات الإنتاجية لمجتمع الغد التي هي بدون شك أعقد بألف مرّة من علاقات الإنتاج للاقتصاد الطبيعي القديم، ولكن في جميع الحالات لن يكون هذا العلم علم الاقتصاد
".

وهنا يطرح هذا السؤال أولاً هل أن علم الاقتصاد يختص فقط بالمجتمع الرأسمالي، وإنّه لا معنى لعلم الاقتصاد في المجتمع الاشتراكي البدائي والمجتمع الإقطاعي؟ أم أنّه لا اقتصاد في المجتمعات التي تدار بواسطة الإرادة والشعور ولا تحكمها القوانين الطبيعية، وفي كل مكان توجد فيه يوجد اقتصاد؟ بالتأكيد الشق الثاني هو الصحيح. إذن ما قيل من أن "موضوع علم الاقتصاد هو القوانين البدائية التي تنظّم علاقات الإنتاج في المجتمع الرأسمالي- التجاري" ناقص، إلا إذا قيل أن المقصود من المجتمع الرأسمالي التجاري مطلق المجتمع التبادلي وهنا لن يرد هذا الإشكال.

ثانياً: كما أن المجتمع الإقطاعي ينتهي طبق قوانين خاصّة إلى الرأسمالية والرأسمالية إلى الاشتراكية، فإن المجتمع الاشتراكي البدائي قد انتهى أيضاً طبق سلسلة قوانين طبيعية هي فوق إرادة وشعور الناس إلى المجتمع الإقطاعي. فالمجتمع الاشتراكي البدائي أيضاً مع وجود الإرادة والشعور باللحاظ الاقتصادي فإنّه بحكم قوانين ما فوق إرادة وشعور المجتمع قد تطور وتحول إلى مجتمع إقطاعي؛ هل أن تلك القوانين التي هي فوق شعور المجتمع علاقات اقتصادية؟ إذاً، تلك المجتمعات هي أيضاً تابعة لقوانين اقتصادية لا شعورية. لو كانت تلك القوانين غير اقتصادية، لكانت فلسفة ماركس المبنية على (أن المحرك الأساسي لعجلة التاريخ هي العلاقات الاقتصادية) خطأ.

ثالثاً: لو لم توجد في المجتمع الشيوعي العلاقات الاقتصادية بسبب عدم الملكية الفردية وعدم المبادلة وانعدام قيمة المال ومن هذه الجهة لم يوجد الاقتصاد فما معنى "العلاقات الإنتاجية الغامضة في الغد"؟ وإذا كان هناك علاقات إنتاج فلماذا إذن لا يكون ذلك العلم الذي يوضحها "الاقتصاد"؟ إلا أن يقال أن المقصود من علم الاقتصاد العلم بالقوانين الطبيعية الخارجة عن اختيار البشر في العلاقات الإنتاجية. في مجتمع الغد يوجد علاقات إنتاج، ولكن ليست خارجة عن اختيار البشر وليست قوانين طبيعية بل قوانين إرادية.

الخلاصة
1- علم الاقتصاد ينقسم إلى قسمين.
2- هذا التقسيم ناتج عن تقسيم العلاقات الاقتصادية إلى طبيعية واعتبارية.
3- فالقسم الأول هو الاقتصاد النظري أو الطبيعي يبحث في القوانين الاقتصادية. (ما هو كائن).
4- القسم الثاني هو الاقتصاد الذي يرتبط بالقوانين الاعتبارية، أي ما ينبغي أن يكون.
5- يناقش الشهيد نصوص اقتصادية يبيّن فيها الاشتباه ما بين القسم الأول والثاني والخلط فيهما.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع