نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الأمراض الاجتماعية Social Pathology ظاهرة لا تنال حقها من الرعاية


موسى حسين صفوان‏


علم الأمراض الاجتماعية أو ما يسمى الباثولوجيا الاجتماعية، علم يهتم بالتقييم الاجتماعي للسلوك الإنساني، في ضوء مدى التزامه أو خروجه عن المعايير الاجتماعية للسلوك، ويتفاوت التقييم الاجتماعي للظاهرة السلوكية بين مجتمع وآخر حسب تفاوت القيم الاجتماعية والأعراف السائدة لكل مجتمع، ورغم أن المدارس العلمية الوضعية لا تعترف بثوابت اجتماعية من حيث المبدأ، فإن العالم في عصر الاتصالات الإلكترونية في طريقه لتكوين منظومة قيمية على المستويات المختلفة ومنها المستوى الاجتماعي.

وعلى العموم، فإن المرض الاجتماعي يعتبر سلوكاً سالباً غير بنّاء، وهداماً، ويعتبر مشكلة اجتماعية تهدُّ أمن الفرد والجماعة على السواء.. مما يخلق المزيد من المتاعب على صعيد العلاقات الاجتماعية، وبالتالي يؤّثر على مجمل حركة الأمة الحضارية... فالشخصية السيكوباتية psychopathic personality أو نموذج المريض النفسي، الذي يشمل الشخصية المريضة اجتماعياً أيضاً، لا يظهر عليه في الغالب أي علامات مرضية ويبدو من حيث الظاهر إنساناً سوياً، وهذا ما يحرمه من الرعاية التي يحتاج إليها، وتظهر الشخصية السيكوباتية عند أي مشكلة صغيرة أو كبيرة، حيث يظهر المريض عدم القدرة على الانسجام الاجتماعي والمهني، ويتصف بالانفعالية الشديدة لأسباب تافهة، والفشل وعدم القدرة على ممارسة مهام الحياة، وهذه الشخصية تشكل المادة الأساسية للانحرافات الاجتماعية، والجنوح وظواهر السلوك المضاد للمجتمع من إجرام وإدمان وانحلال وانحرافات على أنواعها، وفيما لو تمكَّن صاحبها من اعتلاء المناصب السياسية واكتساب السلطة، فإنه يبطش ويظلم ويظهر من قبله الكثير من مواقف البطش...

ويختلف العلماء في أسباب الأمراض الاجتماعية، فيردها علماء الأحياء إلى عوامل وراثية عصبية تكوينية، وقد استدل هؤلاء بعائلات معظم أفرادها من المجرمين والخارجين على القانون، وينظر علماء القانون إلى السلوك الاجتماعي المنحرف بالتمرد والخروج على القانون، ويرجع رجال الاقتصاد الأسباب إلى مشكلات البطالة والفقر، أما علماء النمو النفسي فإنهم يؤكدون العلاقة الوطيدة بين إحباطات الطفولة، والضغط الزائد والتنشئة الاجتماعية غير السوية التي تؤدي إلى الانفعالية، ومشكلات التوازن في المراهقة وما بعدها..، ويربط الأطباء النفسيون بين السلوك الاجتماعي المرضي وبين العصاب أو الذهان(1). أما علماء الاجتماع فإنهم يعتبرون أن المنحرفين في المجتمع هم البؤساء وهم المحرومون وهم الذين يُدفعون دفعاً إلى الانحراف... وهناك مدارس عديدة اهتمت بتصنيف الأمراض الاجتماعية مثل مدرسة التحليل العاملي(2) والمدرسة السلوكية وغيرها. ويتم علاج الأمراض الاجتماعية أولاً عن طريق تشخيصها.. وإذا كان من الصعب تشخيص الحالات الفردية لعدم تعاون المرضى في أغلب الحالات مع الأطباء فإن تشخيصها بشكل عام ودراستها من خلال تحولها إلى ظاهرة اجتماعية قياسية يساعد على وضع الحلول لها، وهناك بطبيعة الحال نوعان من العلاجات، أولهما العلاجات الوقائية، وذلك باتباع الوسائل والإجراءات التربوية السليمة في إطار الأسرة والمدرسة والمؤسسات الاجتماعية المختلفة والاهتمام بوسائل رفع مستوى المعيشة وتكثيف برامج التوعية إضافة إلى عشرات الآليات التي يستخدمها المختصون في هذا المجال.

أما العلاج الطبي من الأمراض الاجتماعية فيبدو أنه مع صعوبته يجد له مكاناً في مجتمعنا إذا ما قامت الوسائل التربوية المختلفة بدورها، ومن أهم تلك الوسائل:
أ- نشر الثقافة الصحية وذلك من أجل تعاون المريض وإثارة رغبته في العلاج.
ب- علاج الأسباب الظاهرية من فقر وحاجة، وفرص عمل وفتح مجال الصداقات والحياة الاجتماعية السوية.
ج- الإرشاد النفسي للوالدين، وللأشخاص المرضى خاصة إذا أصبحوا في مرحلة الشباب.
د- العلاج البيئي وتعديل العوامل البيئية العامة. وهنا تقع مسؤولية الأهل، كما هي مسؤولية الفرد أن يختار البيئة الصالحة القادرة على توعيته. ومعروف أن المودة وانتشار أسباب الإلفة الاجتماعية تشكل حصانة أكيدة ضد الانحراف السيكولوجي والسوسيولوجي.
ه - العلاج السلوكي باستخدام طرق مختلفة، وهي جملة من الآليات يستخدمها الطب النفسي مثل التخلّص من الحساسية... والتعزيز الموجب والتعزيز السالب... وغيره.
ز- العلاج الديني،وهو يشمل التربية الدينية والإيمانية ويدخل ضمنها أيضاً التربية الوطنية، وتعميم مكارم الأخلاق والمبادئ‏ والأعراف الاجتماعية.
ح - وأخيراً العلاج الطبي بالعقاقير المهدئة ولكن هذا الأخير لا بد أن يتم بإشراف أخصائيين وبحذر شديد. وبعد إخفاق المحاولات الأخرى.
وأخيراً لا بد من العمل لترشيد الشخصية الإنسانية كما هو مطلوب أيضاً في شتى المجالات من أجل أن تصبح قادرة على تحمل مسؤولياتها الاجتماعية والفردية على السواء.


(1) أسماء أمراض عصبية. العصاب يغلب عليه التوتر العصبي، والذهان يغلب عليه الشرود وعدم التركيز.
(2) مشتقة من عامل: أي تدرس العوامل المسببة للمرض.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع