إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد

كيف نفهم المشاكل الإجتماعية؟

تقوم مجلة "بقية الله" باستعراض بعض المشاكل الاجتماعية ومعالجتها في حلقات متتابعة وذلك في محاولة لتقديم الرؤية الإسلامية الأصيلة في هذا المجال. إذ لا يخفى على الأخوة كثرة المشاكل التي نعيشها بسبب الغربة التامة عن تطبيق الأحكام الإلهية وبسبب نظام الحكم الفاسد الذي يقوم سوار عن تعمد أم لا بوضع البرامج وتقنين القوانين التي تزيد يوماً بعد يوم من المشكلة تعقيداً وتجعل الأمراض الاجتماعية مستشرية داخل المسلمين. ولا ننسى أيضاً حالة الانفتاح التام على مفاهيم الشرق والغرب وسهولة الاتصال بالعالم الخارجي دون رقيب أو وازع وهذا بدوره يؤدي في أغلب الأحيان إلى التأثير الببغائي الأعمى وحدوث حالة الانفصام في شخصية المجتمع. هذه الحالة تعد من أخطر الأمراض الاجتماعية التي تفتك بالمجتمع، لأنه يفقد فيها هويته الحقيقية (حتى ولو كانت غير إسلامية) فيتحول من وحدة واقعية إلى وحدة ظاهرية فقط ولكن بداخله آلاف الأهواء والتيارات.

في هذا الخضم وداخل هذا البحر الهائم من المشاكل الإجتماعية كيف يمكننا أن ندخل إلى فهم المشكلة وترتيب الأولويات ثم التعرف على العلاج الناجح لها.
نحن نعتقد بوجود قوانين وسنن إلهية تحكم حركة المجتمعات الإنسانية، ولا يمكن أن تتخطاها وهي من قبيل القوانين الطبيعية من حيث الدقة والنظام. ولكن في المقابل يوجد بعض المدارس الفكرية التي تخالف هذه الفكرة.
أ- فمدرسة قالت بعدم وجود قوانين في الأصل ونفت إمكانية التوصل إلى سنة حاكمة على البشر، بل اعتقدت بأن المجتمع هو عبارة عن مجموعة الأهواء والآراء الخاصة بأفراده، وبانتظار أحدها يسير المجتمع على أساس الرأي الغالب وطالما أن أهواء الناس لا تتبع نظاماً حقيقياً فالمجتمع كذلك لأنه في حركته تابع للفرد في نهاية الأمر.

ب- ومدرسة أخرى أكدت على وجود قوانين اجتماعية تحكم حركة المجتمعات الإنسانية، ولكنها من جانب آخر نفت إمكانية التوصل إلى معرفتها لأنها خارج نطاق الحس والتجربة المباشرة.
ولا يخفى هنا أن التعامل مع المجتمعات الإنسانية بالحس والتجربة أمر غير متيسر شأنه مع القضايا والمسائل الطبيعية، لأن الإنسان في الطبيعيات أن الإنسان يمكنه أن يحيط بكل التفاصيل ويمكنه أخذ عينة مباشرة للفحص والدراسة وكل ذلك لأنها من المحسوسات والأمور المادية.

إن مشكلة أصحاب المدرسة (أ) أنهم تاهوا في التفاصيل المذهلة لحركة المجتمعات ولما لم يستطيعوا التوصل إلى أي قانون، أعلنوا عدم وجود القانون والسنة الكونية بدل أن يعلنوا عجزهم، ثم ذهبوا إلى تأييد مذهبهم بالاعتماد على حركة الفرد والأهواء الفردية، ومع أن هذه الدراسة الموجزة لا تتسع للأخذ والرد، ولكننا نشير بشكل موجز إلى أنهم لم يبيّنوا لنا كيف تتغلب الآراء وكيف يتحرك المجتمع ويتوجه في مسيرة تابعاً للغالب ثم كيف ينهزم بعد فترة الرأي الذي حكم المجتمع لفترة ما. وهكذا فإن عجزنا لا ينبغي أن يحملنا على تبني مثل هذه الآراء.

أما أصحاب المدرسة (ب) فإنهم لما حصروا نطاق العلم والمعرفة بالحس والماديات أنكروا إمكانية التوصل إلى معرفة القوانين الاجتماعية بسبب عجزهم أيضاً عن وضع عينات المجتمعات البشرية داخل مختبراتهم المادية مما أدى إلى إنكار القوانين بطريقة غير مباشرة.
ونحن نعتقد- كما قلنا، بالرغم من صعوبة معرفة القوانين الاجتماعية- بوجود تلك السنن الإلهية التي تحكم المجتمعات. فالله تعالى يأبى إلا أن يجري الأمور بأسبابها، وعلى قاعدة الإيمان بحكمة الباري عز وجل نقول: أن الله حكيم ولا يفعل شيئاً عبثاً. وعدم العبثية يعني وجود نظام دقيق يجري في كل مخلوقات الله تعالى ويدخل إلى المجتمع الإنساني بطريق أولي.

ومن جانب آخر، وبالإطلاع على الرؤية القرآنية نجد أن الله تعالى كما أنه يحاكم الفرد على أفعاله ويحاسبه على أعماله فكذلك نجد أن هناك حساباً للأمم ومواقيت وآجال. كما قال تعالى في سورة الأعراف الآية 34: ﴿ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. وأيضاً في الآية 38 من نفس السورة: ﴿كلما دخلت أمة لعنت أختها....
وفي سورة الجاثية الآية 28: ﴿كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون، ﴿وأمم سنُمَتَّعُهُمْ ثم يمسهم منا عذاب أليم. (هود- 48).
وغيرها من الآيات الشريفة التي تبين معالم الرؤية الإلهية لحقيقة الأمة (أو المجتمع). ولا يكون الحساب والأجل عند الله إلا على أساس نظام دقيق وقانون واقعي. وهذا ما نسميه بالقوانين الاجتماعية.

وسوف نبي في الحلقة المقبلة- إن شاء الله- طبيعة العلاقة التي تربط ما بين القانون الاجتماعي والمشكلة الاجتماعية، ليكون ذلك خطوة لفهم المشاكل الاجتماعية وحلها.

* الخلاصة:
● لكي نفهم المشكلة الاجتماعية لا بد أن نعرف القوانين الاجتماعية (كالطبيب الذي يتعرف على طبيعة جسم الإنسان ليعرف أمراضه).
● ولكن هل يوجد قوانين إجتماعية؟
● هناك طائفة قالت بعدم وجود قوانين إجتماعية.
● وطائفة أخرى اعتقدت بوجود القوانين الاجتماعية ولكن نفت إمكانية معرفتها.
● أما نحن فإننا نؤمن بوجود القوانين الاجتماعية وسوف نبين في الحلقة المقبلة كيف يمكننا التعرف عليها مقدمة لفهم المشكلات الاجتماعية (وذلك من خلال الاعتقاد بحكمة الخالق عز وجل).

تفتح مجلة بقية الله صفحاتها للقراء الأعزاء لطرح أسئلتهم في مختلف القضايا الإسلامية وتقدم الأجوبة عنها وفي مورد الأسئلة الخاصة نرجو ذكر الاسم والعنوان حتى يتم إرسالها إليهم.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات: