نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الأسس الفلسفيّة للحداثة (دراسة مقارنة بين الحداثة والإسلام)

زينب الطحان

تعدّدت في العقد الأخير الدراسات عن إشكاليّة العلاقة بين الحداثة والإسلام. ويوحي الحديث عن هذا الموضوع لدى البعض أنّ هناك صراعاً بينهما، قد يجعل من الحداثة عدوّاً وهميّاً أو حقيقيّاً للإسلام، وهذا ما لا ينبغي فعله أو التشجيع عليه.

*دراسة مقارنة
في المعركة الثقافيّة الجديدة التي تعيشها أوساطنا الإسلاميّة والعربيّة خاصّة جرت مساجلات ثقافيّة حديثة حاولت ربما اصطناع الصراع بين الحداثة والإسلام. ولكنّ كتابنا هذا "الأسس الفلسفيّة للحداثة (دراسة مقارنة بين الحداثة والإسلام)"، يحاول دراسة نقاط الالتقاء والافتراق بينهما. والكتاب للباحث العراقي "صدر الدين القبانجي"، من إصدار مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلاميّ، وهو جزء من سلسلة الدراسات الحضاريّة.

تقوم منهجيّة البحث، في الكتاب، على كشف الأسس الفلسفيّة للحداثة والتي تمثّل القواعد التي يقوم عليها الفكر الحداثيّ بمجموعه.

*الحداثة بين الفلسفة والعلم
يفصل الباحث، أوّلاً، بين الحداثة بوصفها منهجاً فلسفيّاً وبصفتها مشروعاً علميّاً، إذ إنّ الأخير استقبلته البشريّة جمعاء بالقبول والترحاب. وإن كان يعترف بصعوبة هذا الفصل، منهجيّاً. والإسلام باعتباره ديناً وشريعة لا يتدخّل في ما هو اختصاص العلم، إنّما في ما هو من شأن الفلسفة وما هو من شأن الشريعة والقانون.

إلّا أنّ الإشكالية الأولى التي تقف أمام الباحث هي تعريف الحداثة، والتي تعني في الدرجة الأولى كل ما هو جديد في مقابل ما هو قديم، مما يعطي للحداثة معنى المعاصرة، لكنه مفهومٌ غير مكتمل. ويخلص إلى أنّ التعريف الأكثر جدارة هو "أنّ الحداثة ليست مفهوماً إنّما هي نمط حضاري متميّز يناقض النمط التقليديّ، وهي تميُّز في الميادين كافّة، دولة حديثة، موسيقى حديثة، رسم حديث، عادات حديثة، وهي متحرّكة في صيغتها وفي مضامينها في الزمان والمكان وليست ثابتة".

*في النزعة الإنسانيّة
يُظهر الباحث كيف أنّ الرؤية الإسلاميّة تجاه النزعة الإنسانيّة هي أكثر واقعية من رؤية الحداثة لها، كما هي أكثر تقديراً وتكريماً للإنسان من دون الغلوّ فيه والصعود به إلى مصافّ الإله، كما فعلت النزعة الإنسانيّة الحداثيّة في بعض دلالاتها.

وهذه أول نقطة افتراق وهي بمثابة الجذر لكلّ نقاط الاختلاف الأخرى. ومع أنّ الحداثة الفلسفيّة لا ترفض الإيمان بالله تعالى إلّا أنها لم تعبأ بموقع العبوديّة له، بخلاف الرؤية الإسلاميّة. وعلى خلاف ما تدعو إليه الفلسفة الوجوديّة من التسليم والاستسلام للوجود يعمد الإسلام إلى تحرير إرادة الإنسان. ومع أنّ الرؤية الحداثيّة حاولت كثيراً التأكيد على عنصر الحرية في الإنسان فإنّها سرعان ما عمدت إلى سحق هذه الحرية تحت أقدام اللاشعور مرّة، أو النُظُم الخفيّة مرّة أخرى، أو العامل الاقتصاديّ مرّة ثالثة.

وتصوّر الذات الإنسانيّة، في تصنيفها بين الخير والشرّ، سوف يؤدّي إلى افتراق الطريق بين المنهج الإسلاميّ والمنهج الحداثيّ. وفي الحقيقة إنّ دعوة الدين هي الدعوة إلى التوازن بين الحقوق والواجبات، بينما مشكلة الحداثة هي الإفراط في جانب الحقوق على حساب الواجبات.

*في رؤية العقلانية

من الطبيعي أن نسجّل حقيقة الترحيب الإسلاميّ بالدعوة الحداثيّة للتقدّم في المجالات العلميّة، لغرض سيطرة الإنسان على الكون والطبيعة واستثمار كنوزها وطاقاتها واعتبار ذلك ميداناً حرّاً مفتوحاً لحركة العقل البشريّ. والإسلام نفسه مارس هذا الدور، فقد اندفع علماء الطبيعة والفلسفة المسلمون لكشف أسرار الطبيعة دونما اصطدام بالوحي الإلهيّ.

فالعقلانيّة الحداثيّة استطاعت أن تقدّم خدمة كبيرة للبشرية في المجال العلميّ. لكنّ هذا المبدأ شهِد تطرفاً عندما تمثّل في حصر فاعليّة العقل في حدود التجربة وجعل المصلحة هي المقياس في القيمة العلميّة لكلّ معلومة، وانتهى ذلك إلى القول بتعدّد الحقيقة وقبولها للمتناقضات وضياع مقياس الصواب والخطأ، وأخيراً اعتبار الفكر خاضعاً للتحوّلات الاقتصاديّة في المجتمع بما يفقد أيّ قيمة في التأثير على ما هو الحقّ وما هو الباطل.

في الرؤية الإسلاميّة نقرأ عشرات النصوص القرآنيّة الداعية إلى التدبّر والتفكّر والتعقّل، فالإسلام جعل العقل طريق المعرفة الصحيحة، ويرفض حال الغلوّ في العقل البشريّ وافتراض أنّه قادر على معرفة كلّ شيء، بل يقول القرآن الكريم: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (الإسراء: 85)، وأنّ هناك مساحات لا يستطيع العقل اكتشافها مثل مساحات الغيب الإلهيّ والتشريع الدينيّ.

*نقد التفسير الوجوديّ للكون
في الفصلين الثالث والرابع يعالج الباحث قضية مبدأ الحركة وقانون التطوّر العام، ويبحث في التفسير الدينيّ للكون. ويلفت في بداية بحثه إلى أنّ الوجوديّة لم تكن ملحدة دوماً مثل وجوديّة "سارتر" و"هايدجر"، بل هناك وجوديّة مؤمنة مثلما هي عند "كيركغارد". ولقد كانت الوجودية على حقّ حينما تحدّثت وآمنت بأصالة الوجود في مقابل الماهية، فهي نفسها النظرية التي يعتقد بها الفلاسفة الإسلاميون وبلورها بشكل أكثر وضوحاً صدر المتألّهين الشيرازي في كتابه "الأسفار الأربعة"، إلّا أنّ الوجوديّة الإلحاديّة لم تستطع أن تميّز بين الوجود الكامل والوجود الناقص، بل لم تدرك حقيقة أنّ الوجود إذا كان يتمتّع بالأصالة دوماً فهو وجود كامل ولا يقبل النقص.

ومن المفارقات الكبيرة في الوجوديّة الحداثيّة أنّها في الوقت الذي هامت في الوجود ورأته المطلق الذي ليس فوقه شيء، فإنّها حطّت من مكانته، ونظرت إليه من خلال العبثيّة واللاهدفيّة. وهذه الرؤية انعكست بطبيعة الحال على موقع الفرد والمجتمع، فانبثقت من ذلك فلسفة العبث والتمرّد التي سادت أجيالاً في عالم الغرب قبل أن تبدأ ظاهرة العودة إلى الدين.

*خلاصة الرؤية
الحداثة هي منهج بحث يعتمد على مجموعة أُسس فلسفية هي مبدأ النزعة الإنسانيّة، والعقلانيّة، والتطوّر العام. ولا يقف الإسلام موقفاً مضادّاً لهذه الأسس، بل يقبل منها مداليلها المعتَدلة، ويرفض المتطرّفة منها. كما يرى الكتاب أنّ الحداثة باعتبارها منهجاً في البحث تقف على الحياد من مسألة الإيمان والكفر، ولا يمكن تصنيفها لمصلحة مدرسة عقائدية معيّنة، فهي مثل الأدوات العلميّة ومثل القياسات المنطقيّة التي يمكن أن يستخدمها الجميع. وفي ضوء ذلك يرى الكتاب أنّ محاولة إيجاد مصالحة بين الحداثة والإسلام من خلال التصرّف في الثوابت الإسلاميّة، واعتبارها ذات صفة تاريخيّة هي محاولة باطلة. يعتقد الإسلام أنّ الإنسان، من أجل المحافظة على نزعته الإنسانية، لا يمكنه الانفصال عن الله، كما لا يمكن له أن يحتفظ بالعقلانية بعيداً عن وحي السماء، فالله والإنسان، والعقل والوحي هما الثنائي الذي تتكامل به الصورة بكل أبعادها، كما إنّ مبدأ التطور العام في الكون لا يعني تطوّر الحقيقة ولا تطور القيم الإنسانيّة، فالحقيقة تبقى هي الحقيقة، والقيم الإنسانيّة كذلك، الأمر الذي يفسّر قدرة الشريعة الإسلاميّة على مواكبة الواقع الاجتماعي للإنسان ومعالجته.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع