نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أقيموا الدين لله

د. عليّ زعيتر

لا شكّ في أنّ المجتمعات البشرية سعت في كلّ مراحلها إلى تبديل المعتقدات الدينيّة والمثل العليا لديها إلى شعائر تعيش معها مناسباتها المختلفة، وتسعى لتجذيرها في سلوكيّاتها اليوميّة وتربية أفرادها عليها كجزء من التعبير عن التزامها العملي بتلك القيم والمعتقدات. فالشعائر هي مجموعة الأفعال التي تنبثق من تلك القيم والمثل العليا التي يتبنّاها المجتمع.

ففي المجتمع الجاهليّ سادت الشعائر القبليّة والمناسك التي تربّي الأفراد وتؤطر حركة المجتمع بإطار الوثنيّة والعادات التي تجعل تبجيل "هُبَل واللّات والعزّى" وزيارتها وتقديم القرابين لها من المقدّسات والسلوكيّات اليوميّة لها، وبتكريس هذه الشعائر يُقدّس الجهل ويتعمّق التخلّف ويسود الظلم.


*معرفة، علمٌ وسلوك
من هنا فإنّ الشعائر الإسلاميّة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إقام الصلاة، الجهاد في سبيل الله، الحجّ وزيارة الأولياء والصالحين، الاعتكاف في المساجد وغيرها، ما هي إلّا تعبير متّسق مع القيم الإسلامية العليا التي تريد أن تنشئ الفرد والمجتمع تنشئة اجتماعيّة وفرديّة، تضمن له التطوّر والتقدّم المنسجم مع الفطرة الإلهية، حيث يرى الإسلام أنّ التطوّر البشريّ يجب أن يكون في المعرفة أوّلاً، ومن ثمّ بالعلم، ومن بعده بنمط حياة، ينظّم سلوكه وعلاقاته الاجتماعيّة والعائليّة والفرديّ(1).
من هنا، سوف نحاول أن نستكشف -إلى حدّ ما- أبعاد هذه الشعائر من خلال قراءة سريعة في فكر الإمام الخميني قدس سره والإمام الخامنئي دام ظله.

*البُعد التربويّ (الفرديّ والاجتماعيّ)

1- الصلاة

يشير الإمام الخميني قدس سره إلى أنّ الصلاة تحتوي على كلّ ما يلزم الإنسان للرقيّ والتطوّر(2)، وتجعل منه إنساناً حقيقيّاً يسعى إلى إقامة العدل؛ فالصلاة عبارة عن مصنع للإنسان(3)، حيث إنّ الاعتقاد بالصلاة وإقامتها، وخاصّة في المساجد من أهم عوامل الثقة بالنفس، والاعتماد على الذات في كلّ شؤون المجتمع(4).

2- الاعتكاف في المسجد

وفي الاتّجاه نفسه، يشير سماحة الإمام الخامنئي إلى أنّ الاعتكاف وحبس النفس في المسجد لهو من الإشارات الصحيحة والمهمّة على تطوّر وتقدّم الدولة والنظام الإسلاميّ(5).

3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وفي مكان آخر، يشير سماحته إلى أهمية القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ( الحج: 41). فقد وضع الله تعالى في هذه الآية الشريفة للمؤمنين الذين منحهم السلطة أربعة شواخص (أو معايير): إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر... حيث يوجد لكلّ واحد منها بُعد فرديّ وشخصيّ، ولكن إلى جانب ذلك بُعد اجتماعيّ، وتأثير في النظام الاجتماعيّ كذلك.
في الواقع، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بنحو ما، هما البنية التحتيّة لكلّ الحركات الاجتماعية "بها تقام الفرائض"(6).

وكذلك الأمر ينطبق على عاشوراء وزيارة الأئمّة عليهم السلام، وكلّ شعيرة أتى بها الإسلام، فهي تتضمّن البعدين معاً، وتركّز في الإنسان الاستقامة، وتحفّزه للقيام بالعدل، الذي هو أساس التقدّم الفرديّ والاجتماعيّ(7).

*البعد الثقافيّ الاجتماعيّ
فحين يوجّه السيد القائد خطابه للشعراء والمدّاحين وخطباء المنبر الحسينيّ، يقوم بتوجيههم إلى ملاحظة حركة المجتمع وقضاياه وتغييره، من خلال روح تلك الشعائر: "إنّ بلدنا وشعبنا والعالم الإسلاميّ اليوم بحاجة إلى الفهم الصحيح والعمل الصحيح والصمود. والشباب يمثّلون المحرّك من بين فئات الشعب. وهم بين أيديكم؛ فمن وجهة نظر خاصة ستلاحظون أنّ مفتاح محرّك العالم الإسلاميّ في يدكم؛ بلِّغوا معارف الدين، وعلّموا الناس ما يحتاجونه، وما يحتاجه هؤلاء الشباب ليكونوا طاهرين وليحيوا حياةً طاهرة، وليكون أسلوب حياتهم إسلامياً"(8).

*البُعد العاطفيّ: مجالس العزاء
كذلك يركزّ الإمام الخامنئي دام ظله على أنّ كلّ شعيرة لها أبعاد متعدّدة تنسجم مع تكوين شخصية الإنسان والأبعاد المختلفة لها سواء النفسيّة والمعنويّة والاجتماعيّة، فزيارة الأئمّة عليهم السلام ومجالس العزاء (مثلاً) لها بُعد معنويّ عاطفيّ يتجلّى بالمجالس والبكاء على مظلوميتهم، وإبراز ما جرى عليهم، لأنّها ملهمة بكثير من القيم: "يجب استلهام الدروس في مثل هذا اليوم من الحسين بن علي؛ درسه للأمة الإسلامية هو أنّه يجب الاستعداد دوماً من أجل الحقّ، ومن أجل العدل، ومن أجل إقامة العدل ولمواجهة الظلم، ويجب تقديم كلّ ما يمتلكه الإنسان إلى الساحة. والتضحية بكل تلك المستويات وبتلك المقاييس ليس مما نقدر عليه، بل علينا السعي بما يتناسب ووضعنا وأخلاقنا وعاداتنا. يجب أن نتعلم منه"(9).

*البعد المعنويّ الاجتماعيّ: الحجّ
كذلك الحجّ الذي يعدّ شعيرة تمتاز بتوافر مجموعة كبيرة من الأبعاد فيها، حيث يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "فعلاوةً على وجود اقتدار سياسيّ في الحجّ، وفضلاً عن أنه يعرض على العالم الاقتدار الثقافيّ للنظام الإسلاميّ، فإنّ فيه اقتداراً معنوياً، بمعنى أنّه يصنع البشر من الداخل، ويُعدّهم لاجتياز العقبات الصعبة، ويفتح أعينهم على حقائق لا يمكن مشاهدتها ولمسها من دون الحضور في ساحة الحجّ. هناك يدرك الإنسان بعض حقائق الإسلام المعنويّة والتربويّة.
ومن لوازم الحجّ وضروريّاته أن يتعامل الحجّاج في ساحة الحجّ وعلى مستوى هذه الفريضة الإسلامية الكبيرة بطريقة أخويّة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة.. أن ينظروا لبعضهم بعضاً بعين الأخوة، وليس الأعداء. يجب أن ينظروا لبعضهم بعضاً بعين الذين يسيرون نحو هدف واحد، ويبحثون عن شيء واحد، ويدورون حول محور واحد"(10).

*البعد السياسيّ الاجتماعيّ
والبعد الأخير، هو البعد الاجتماعيّ السياسيّ الذي يتجلّى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة العدل والحقّ ومظاهر عاشوراء والحجّ أيضاً، فمن وجهة نظر السيد الخامنئيّ كل الشعائر الإسلامية ترتبط ببناء الفرد والمجتمع باتّجاه المجتمع الإسلاميّ الخالص، وبالتالي تعتبر مقدّمة للاستقرار المجتمعيّ الذي ينعكس حكماً على تطوّر وتقدّم المسيرة الاجتماعية وتساهم في رقيّ المجتمع البشريّ: "في الواقع، يمكن القول إنّ الحجّ رصيدٌ لاقتدار المجتمع الإسلامي وسبب لاقتدار الأمّة الإسلاميّة. يوم نوفّق نحن المسلمين في مختلف البلدان ومن شتّى المذاهب، ونكون قد وصلنا إلى البلوغ الفكريّ الذي يؤهِّلنا لتشكيل الأمّة الإسلاميّة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، ونستطيع أن نكون بجماعتنا الإسلاميّة الكبيرة من أقصى شرق العالم إلى أقصى غرب العالم الإسلاميّ أمّة واحدة، حتّى مع وجود دول مختلفة، يومذاك سنفهم كيف أنّ الحجّ سبب اقتدار هذه الأمة ومتانتها ورفعتها وسمعتها"(11).

*الشعائر متعددة الأبعاد
من هنا يمكن إجمال الأبعاد الاجتماعية في الشعائر الإسلامية، في المحاور التالية:

1- تركيز وتجسيد القيم في سلوكيّات الأفراد وتحويلها إلى سلوك جماعيّ.
2- توطيد اللّحمة بين أفراد المجتمع وسوقهم باتّجاه هدف واحد.
3- إعطاء قيمة اجتماعية للأعمال الفردية، وتعويد الأفراد على الحضور في الساحات السياسيّة وكافة الميادين.
4- تقليص التفاوت الطبقيّ من خلال المساواة في المشاركة بإحياء هذه الشعائر بين مختلف طبقات المجتمع.
5- إيجاد هدف مشترك تتمحور حوله الجهود الفردية وربطها بالآثار الاجتماعيّة.
6- وغير ذلك من المحاور التي تعبّر عن أنّ الإسلام يؤكّد دائماً على تلازم الأبعاد الفردية مع الأبعاد الاجتماعية، لكلّ شعيرة وعبادة وواجب إسلاميّ.


1.العدالة محور التقدم (قراءة في الفكر التنموي لدى الامام الخامنئي)، د. علي زعيتر، ص23.
2.صحيفة نور، ج12. ص 841.
3.م.ن، ص 9014.
4.وصيه نامه امام قدس سره.
5.كلمة الإمام الخامنئي دام ظله، في لقاء المسؤولين عن برامج الاعتكاف في إيران.
6.كلمة الإمام الخامنئي دام ظله، في الحرم الرضوي- مشهد 1394هـ ش/01/01.
7.كلمة الإمام الخامنئي في "ملتقى الافكار الاستراتيجية حول العدالة" 17-5-2011م.
8.كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء حشد من مداحي أهل البيت عليهم السلام، في 9/4/2015م.
9.كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء بمناسبة ذكرى ولادة الإمام الحسين عليه السلام، 12/06/2013.
10.كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه القائمين على شؤون الحج في 11/09/2013.
11.م.ن.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع