نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح الله: نبّه بالتفكر قلبك



اعلم أنّ أوّل شروط مجاهدة النفس والسير باتّجاه الحقّ تعالى، هو "التفكّر". وهو أن يفكّر الإنسان بعض الوقت في مولاه الذي خلقه في هذه الدنيا، وهيَّأ له كلّ أسباب الدِّعة والراحة، ووهبه جسماً سليماً وقوى سالمة لكلّ واحدة منها منافع تحيّر ألْباب الجميع، ورعاه وهيّأ له كلّ هذه السِّعة وأسباب النعمة والرحمة. ومن جهة أخرى، أرسل الأنبياء، وأنزل الكتب "الرسالات"، وأرشد ودعا إلى الهدى...

*واجبنا تجاه مالك الملوك
فما هو واجبنا تجاه هذا المولى مالك الملوك؟! هل أنّ وجود جميع هذه النِّعَم، هو فقط لأجل هذه الحياة الحيوانيّة وإشباع الشهوات التي نشترك فيها مع الحيوانات، أم أنّ هناك هدفاً وغايةً أخرى؟
هل أنّ للأنبياء الكرام، والأولياء العظام، والحكماء الكبار، وعلماء كلّ أُمّة، الذين يدعون الناس إلى حكم العقل والشرع، ويحذّرونهم من الشهوات الحيوانيّة ومن هذه الدنيا البالية، عداءً ضدّ الناس أم أنّهم كانوا مثلنا لا يعلمون طريق صلاحنا نحن المساكين المنغمسين في الشهوات؟!

*الغاية أسمى وأعظم
إنّ الانسان إذا فكَّر للحظة واحدة، عرف أنّ الهدف من هذه النِّعَم هو شيء آخر، وأنّ الغاية من هذا الخلق أسمى وأعظم، وأنّ هذه الحياة الحيوانيّة ليست هي الغاية بحدِّ ذاتها، وأنّ على الإنسان العاقل أن يفكّر بنفسه، وأن يترحَّم على حاله ونفسه المسكينة، ويخاطبها: أيّتها النفس الشقيّة التي قضيتِ سنين عمرك الطويلة في الشهوات ولم يكن نصيبك سوى الحسرة والندامة، ابحثي عن الرحمة، واستحي من مالك الملوك، وسيري قليلاً في طريق الهدف الأساسيّ المؤدِّي إلى حياة الخُلد والسعادة السرمديّة، ولا تبيعي تلك السعادة بشهواتِ أيامٍ قليلةٍ فانية، لا تتحصَّل حتّى مع الصعوبات المضنية الشاقّة.
فكّري قليلاً في أحوال أهل الدنيا والسابقين، وتأمّلي متاعبهم وآلامهم كم هي أكبر وأكثر بالنسبة إلى هنائهم، في الوقت الذي لا يوجد فيه هناء وراحة لأيّ شخص.

ذلك الذي يكون في صورة الإنسان ولكنه من جنود الشيطان وأعوانه، والذي يدعوك إلى الشهوات، ويقول: يجب ضمان الحياة الماديّة، تأمّل قليلاً في حال نفس ذلك الإنسان واستنطقه، وانظر هل هو راضٍ عن ظروفه، أم أنّه مبتلىً ويريد أن يبلي مسكيناً آخر؟!

وعلى أيّ حال، فادع ربّك بعجزٍ وتضرَّعٍ أن يعينك على أداء واجباتك، التي ينبغي أن تكون أساس العلاقة فيما بينك وبينه تعالى. والأمل أن يهديك هذا التفكير -المقترن بنيَّة مجاهدة الشيطان والنفس الأمَّارة- إلى طريق آخر، وتوفّق للترقّي إلى منزلة أخرى من منازل المجاهدة.

*القلوب قبل التفكّر غافلة
بسندي المتّصل إلى محمد بن يعقوب (رضوان الله عليه) عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: نبِّه بالتفكّر قلبك وجاف عن الليل جنبك واتّق الله ربّك"(1).

"والتنبيه" هو الإخراج من الغفلة، والإيقاظ من النوم. وكلا المعنَيين مناسب هنا. فالقلوب قبل التفكّر غافلة، وقبل الإيقاظ نائمة، والتنبيه يخرجها من الغفلة، ويوقظها من النوم. والنوم واليقظة، والغفلة والفطنة، لكلّ من مُلك الجسد وملكوت النفس، مختلفان. فقد تكون العين الظاهرة يقظة وجانب المُلك واعياً، ولكنّ عين الباطن والبصيرة تغطّ في نوم ثقيل، وجانب ملكوت النفس في غفلة ومن دون وعي.

*التفكّر تلمُّس البصيرة
و"التفكّر" إعمال الفكر، وهو ترتيب الأمور المعلومة للوصول إلى النتائج المجهولة. وهو أعمّ من التفكّر الذي يُعدّ من مقامات السالكين.
لأنّ الخواجة الأنصاريّ يُعرّفه بقوله: "اعلم أنّ التفكّر تلمُّسُ البصيرة لاستدراك البغية"(2). ومعلوم أنّ مطلوبات القلب هي المعارف، ولهذا فإنّ المراد بالتفكّر في هذا الحديث الشريف هو المعنى الخاصّ الذي يعود إلى القلوب وحياتها.

وفي القرآن الكريم والأحاديث الشريفة يطلق (القلب) في المواضيع المختلفة على كلّ واحد من المعاني المتداولة بين العامّة والخاصّة، مثل: ﴿وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ (الأحزاب: 10) وهو بمعناه المتداول بين الأطباء، ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا (الأعراف: 179) وهو المعنى المتداول على ألسنة الحكماء.


1.أصول الكافي، الكليني، ج2، ص54.
2.منازل السائرين، عبد الله الأنصاري، ص41.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع