نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الدنيا المذمومة وسر ازدياد الحب لها



يقول الإمام الخميني قدس سره: "إعلم أن للدنيا والآخرة إطلاقات حسب آراء أرباب العلوم، ولدى مقاييس معارفهم وعلومهم ولا يكون البحث عن حقيقتها على ضوء المصطلحات العلمية بمهمة لدينا، فإن بذل الجهد في فهم الاصطلاحات والرد والقبول والجرح والتعديل يحول دون بلوغ القصد". وإنما المهم في هذا الباب هو فهم الدنيا المذمومة التي على طالب الآخرة أن يتجهز منها، وما يعين الإنسان على الحياة.

* حقيقة الدنيا المذمومة:
يقول المحقق الخبير والمحدث المنقطع النظير مولانا المجلسي رحمة الله عليه: "فاعلم أن الذي يظهر من مجموع الآيات والأخبار على ما نفهمه أن الدنيا المذمومة مركَّبة من مجموع أمور تمنع الإنسان من طاعة الله وحبه وتحصيل الآخرة، فالدنيا والآخرة ضرَّتان متقابلتان فكل ما يوجب رضى الله سبحانه وقربه فهو من الآخرة وإن كان بحسب الظاهر من أعمال الدنيا كالتجارات والصناعات والزراعات التي يكون المقصود منها تحصيل المعيشة للعيال لأمره تعالى به وصرفها في وجوه البر، وإعانة المحتاجين، والصدقات، وصون الوجه عن السؤال وأمثال ذلك. فإن هذه كلها من أعمال الآخرة وإن كان عامة الخلق يعدّونها من الدنيا. والرياضات المبتدعة والأعمال الريائية، وإن كان مع الترهب وأنواع المشقة فإنها من الدنيا لأنها مما يبعد عن الله ولا يوجب القرب إليه كأعمال الكفار والمخالفين". إن ما ورد في القران والأحاديث عن ذم هذه الدنيا، لا يكون عائداً في الحقيقة إلى الدنيا من حيث نوعها أو كثرتها، بل يعود إلى:

1 - التوجه نحوها.
2 - انشداد القلب إليها.
3 - محبتها على أنها الأصل.

فغلق القلب بالدنيا وحبها، هو الدنيا المذمومة، وكلما كان التعلق بها أشد كان الحجاب بين الإنسان ودار الكرامة، والحاجز بين القلب والحق سبحانه، أسمك وأغلظ، فالمقصود من الظلمة والنور في الآيات والأحاديث هو الميول والتعلقات القلبية نحو الدنيا، فكلما كان التعلق بالدنيا أقوى كان عدد الحجب أكثر، وكلما كان الحب لها أشد، كانت الحجب أغلظ واختراقها أصعب فكلما كان الإنسان اقرب إلى الدنيا كان بعده عن العبودية وقربه إلى الهلاك بقدر ذلك.

* نتيجة التعلق والمحبة للدنيا المذمومة:
يقول تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى طه/126.
فغاية إعراض الإنسان عن ذكر ربه، وانكبابه على الدنيا يبتغي:
أولاً: سعادة الحياة.
ثانياً: راحة النفس.
ثالثاً: لذة الروح.

ونتيجة ذلك أن:
أ- يعذب بين أطباق هذه الفتن التي يراها نعماً فليس كل إنسان غني أو حريص على الدنيا سعيداً بل تراه يتألم ويتحسر كثيراً من هذا الثوب الذي اعتقد انه نعمة.
ب- يكفر بربه بالخروج عن زي العبودية.

فإن هؤلاء الأشخاص يصلون إلى مرحلة الكفر بالله تعالى ولا يتأثرون بأي شي‏ء يمسّ بهذا الدين بل تصل بهم المرحلة الى السخرية من ذلك، كل هذا لشدة تعلقم وحبهم وحرصهم على الدنيا الدنيَّة. وهذا هو الإملاء والاستدراج اللذين يذكرهما في قوله تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ الأعراف/83.

يقول ابن مسعود في ذمّ الدنيا: ما أصبح أحدٌ من الناس إلاَّ وهو ضيف وماله عارية، فالضيف مرتحل والعارية مردودة، وقد قيل:
 

ولا بدَّ يوماً أن تُردَّ الودايع‏

وما المال والأهلون إلاَّ وديعة


وقيل لإبراهيم ابن أدهم:
كيف أنت؟
فقال:
 

فلا ديننا يبقى ولا ما نرقّع

نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا

وجاد بدنياه لما يتوقع

فطوبى لعبدٍ اثر الله ربَّه‏


وقيل:

تنحّ‏َ عن خطبتها تسلم‏

يا خاطب الدنيا إلى نفسها

قريبة العرس من المأتم

إن التي تخطب غدَّارة


وقيل لبعض العبَّاد: قد نلت الغنى، فقال: إنما نال الغنى من عتق من رقّ الدنيا. وقال أبو حازم: "اشتدت مؤونة الدنيا والآخرة، فأما مؤونة الآخرة فإنك لا تجد عليها أعواناً، وأمَّا مؤونة الدنيا فإنك لا تضرب إلى شي‏ء منها إلاَّ وجدت فاجراً قد سبقك إليه".

* أسباب ازدياد حب الدنيا:
يقول إمامنا الخميني قدس سره: "إعلم أنه ولما كان الإنسان وليد هذه الدنيا الطبيعية وهي أمه، وهو ابن هذا الماء والتراب، فإن حب الدنيا يكون مغروساً في قلبه منذ مطلع نشوئه ونموه، وكلما كبر في العمر، كبر هذا الحب في قلبه ونما، وبما وهبه الله من القوى الشهوانية ووسائل التلذذ للحفاظ على ذاته وعلى البشرية، يزداد حبه ويقوى تعلقه، ويظن أن الدنيا إنما هي دار اللذات وإشباع الرغبات، ويرى في الموت قاطعاً لتلك اللذات، وحتى لو كان يعرف من أدلة الحكماء أو أخبار الأنبياء صلوات الله عليهم أن هناك عالماً أخروياً فإن قلبه يبقى غافلاً عن كيفية عالم الآخرة وحالاته وكمالاته، ولا يتقبله، فضلاً عن بلوغه مقام الاطمئنان، ولهذا يزداد حبه وتعلقه بهذه الدنيا". ويضيف: "وبما أن حب البقاء فطري في الإنسان، فهو يكره الزوال والفناء ويظن أن الموت فناء، ولو أنه آمن بعقله بأن هذه الدنيا دار فناء ودار ممر، وأن العالم الآخر عالم بقاء سرمدي". إننا في هذا الجانب يمكننا استخلاص كلام الإمام قدس سره بعض الأسباب التي تبعث على ازدياد حب الدنيا في النفوس وهي:

أولاً: الإنسان وليد الطبيعة وهي أمه، فإن حب الدنيا يكون مغروساً في قلبه منذ مطلع نشوئه ونموه، ويكبر معه.

ثانياً: وبما أن الله تعالى وهب هذا الإنسان مجموعة من القوى الشهوانية ووسائل التلذذ للحفاظ على ذاته وعلى البشرية، فمثلاً لولا الازدواج لانفنى العالم بأجمعه، فهذا مثلاً يدفعه إلى ازدياد حبه واشتداد تعلقه.

ثالثاً: اعتبار أن الدنيا هي دار اللذات وإشباع الرغبات الموجودة فيها.

رابعاً: إن الإنسان يرى في الموت قاطعاً لكل ما يستلذ به كون أن الإنسان غافلٌ عن حقيقة عالم الآخرة وحالاته، حيث أن الذي لا يعمل لرضا الله تعالى لا يصل إلى مرحلة الاطمئنان والمعرفة.

خامساً: حب البقاء، إن حب البقاء في الإنسان فطري وليس اكتسابياً بل هو من ذاتيات الإنسان بحيث أن هذا الشعور هو ما يدفعه للبحث عن حياة أزلية لا يجدها في هذا العالم، فالإنسان بفطرته يكره الفناء والزوال، فتصور الموت يعني الزوال بالنسبة للإنسان، فعدم وجود القناعة القلبية بوجود حياة ما بعد الموت تجعله يتعلق بالدنيا أكثر وأكثر ويحاول أن يستفيد منها بأي شكل كان ولو على حساب الآخرين.


أسئلة حول الدرس
1 - ما هي الدنيا التي ذمَّها الإسلام؟
2- ما هي النتائج التي تترتب على التعلق بالدنيا؟
3 - عدّد أسباب ازدياد حب الدنيا؟
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع