صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

دور الدنيا في حركة الإنسان نحو الله



إن الروايات التي تتحدث عن ذمّ الدنيا كثيرة، وقد تعرفنا بشكل مختصر أن أصل الذم يأتي من التعلق بالدنيا وحبها حباً شديداً وذلك بالنظر إليها نظرة استقلالية بحيث تصبح الهدف والأصل في حركة البشر في هذه الدنيا، إننا في هذه الحلقة سنتعرف بشكل أوسع وأوضح على هذه المسألة ونكتشف الأسرار الحقيقية التي تسببت في ذمّ الدنيا، وبدايةً لا بأس من التعرف على الأهداف التي من أجلها وُجِدت هذه الدنيا.

* ما هو الهدف من وجود الدنيا والآخرة؟
إن الغوص في هذا الجانب يحتاج إلى الكثير من الشرح والتوضيح ولكننا هنا سنحاول اختصار هذا البحث بعدة أسطر نبين من خلالها الأهداف التي أدَّت إلى وجود هذه الدنيا. يقول الله تعالى في كتابه الحكيم: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، وفي حديث قدسي يقول تعالى: "كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق لكي أُعرف‏". إذاً فالهدف من وجود هذا الموجود هو معرفة الله سبحانه وتعالى وأحد طرق المعرفة هو العبادة لله، فكل السعي والجهد هو لأجل الوصول إلى الكمال، إلى معرفة الله، فبمعرفة الله حق معرفته يصل الإنسان إلى سعادته وكماله. إذاً لا بد من وجود مكان يسعى فيه الإنسان لأجل الوصول أخيراً إلى المعرفة، ولا يتحقق ذلك إلاَّ بوجود الدنيا لأن الله تعالى أكَّد على ذلك في آياته وأحاديثه القدسية، فالآية الكريمة تحكي بوضوح عن هذا الموضوع: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فالدنيا هي دار عبادة وسعي لكي يصل الإنسان لمعرفة بارئه ولا يتحقق ذلك من خلال وجود الدنيا، فكل شي‏ء في هذه الدنيا يؤكد على عدم وصول أحدٍ قط إلى كماله وسعادته، فالكل ناقص ومحتاج دائماً مهما كان سعيداً أو غنياً ومتعلماً يبقى المحتاج والناقص ويشعر دائماً بالنقص والحاجة وكل هذا لا يتحقق إلاَّ بوصوله إلى الآخرة.

* الدنيا ودورها في حركة الإنسان نحو الله تعالى:
بعدما تبيَّن لنا أن الهدف من وجود الدنيا هو معرفة الله تعالى ولا يتحقق ذلك إلاَّ بوجود الدنيا نريد هنا أن نبني دور الدنيا في تحقق المعرفة أو بالأحرى ماذا قرر الله تعالى لهذه الدنيا لكي تكون وما هو دورها في حركة الإنسان نحوه تعالى، فالله تعالى جعل هذه الدنيا جميلة مزخرفة كل ما فيها يدفع إلى الغرور، وسرّ ذلك يعود لأمرين:

أولاً: أن الدنيا هي دارٌ للبلاء حيث يقول تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فالدنيا ليست سوى دار للامتحان يعبر منها كلّ‏ُ من نجح بهذا الامتحان، بحيث هل أن هذا الإنسان سوف يتعلق بها ويبقى في مكانه ويفشل؟ أم أنه سوف يتخطاها بكل قوة وصمود؟ فهذه الدنيا محفوفة بالمخاطر، يقول أمير المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام: "الدنيا معدن الشر ومحل الغرور" وفي كلام آخر: "الدنيا سوق الخراف"، "الدنيا سمّ أكله من لا يعرف" فالذي يعرف حقيقة الدنيا لا يقع في فخها بل من يحسن التعاطي معها فهي منبع الخير والسعادة، فالذي يعرف أن الدنيا لا تملك من العمر سوى عمر شبابي وان كل ما فيها فانٍ، وان الإنسان سيخرج منها بيد خالية وبموته تذوب كل الأحلام والسعادات والأفراح، ولن تكون الدنيا بالنسبة إليه سوى شر، والآخرة سوى هم وجحيم، لذا "من أبصر إليها أعمته".

ثانياً: الدنيا وسيلة المؤمن: يقول مولى المتقين أمير المؤمنين عليه السلام: "دار غنىً لمن تزوَّد منها" ويقول ايضاً: "فإن الدنيا خلقت لكم ففيها اختبرتم ولغيرها خلقتم". هنا يصف الأمير عليه السلام الدنيا بأنها دار للسعادة لمن استطاع أن يستفيد منها لمن عرف الدنيا وكشف خداعها بأنها مزيَّفة مؤقتة زائلة وكل ما فيها إلى الزوال، عرف أن هذه الدنيا مسخَّرة بين يديه لكي يتمكن من خلالها أن يتسلَّق ذاك الجبل العظيم لكي يصل إلى أعلى القمة حيث السعادة بعد العناء والتعب الطويلين، فبقدر ما هي جميلة بقدر ما هي خطرة، فكل ما فيها يخاطب اللذات والشهوات، وهنا يأتي دور العاقل فيها ليعرف كيف يستفيد منها، فمن يعرف أن الدنيا خُلقت لأجله لكي يعبر من خلالها إلى عالم الآخرة، عالم البقاء والمعرفة والخلود، فقد نال الكثير الكثير وعرف الله حقّ‏َ معرفته، فهو المؤمن الذي لا تغرقه هذه الزخارف والمتاحف، بل يعرف كيف يستفيد منها بقدر حاجته وبقدر ما يحتاج إليه لكي يتمكن من العيش فيها لينتقل إلى عالم الآخرة، وهذا لا يعني الإعراض عنها نهائياً بل يأخذ ما يحتاجه لمسيرته في الحياة ويتزود منها للآخرة.

* كيفية الاستفادة من الدنيا للآخرة؟
من الطبيعي أن كل إنسان منَّا يحتاج في حياته إلى مقومات العيش لكي يبقى حياً وبالتالي ليتمكن من التزود من الدنيا والآخرة، ولكي يستفيد من الدنيا بشكل سليم لا بد له من اعتماد منهج معين يوصله إلى الآخرة، وبالأحرى إلى رضى الله تعالى، يعني هناك عدة أمور يجب اتباعها في هذه الدنيا لكي يحصل على الثواب والجزاء الأخروي، يعني القرب من الله تعالى، أي السعادة والكمال الحقيقي:

أولاً: اعتماد الدنيا وسيلة توصل إلى الآخرة، وليس هي الوسيلة وهي الهدف في آنٍ واحد.

ثانياً: الاستفادة من الدنيا بقدر الحاجة وعبر الطرق السليمة لكي يمكنه تأمين مقومات العيش الذي يليه التزود للآخرة، فبدون وجود مقومات العيش لا يمكن لنا أن نتزود للآخرة، يعني لا يمكن للمؤمن الإعراض مطلقاً عن الدنيا بل لا بد له من تأمين الحاجات المعيشية بقدر الحاجة للتزود للآخرة.

ثالثاً: التفكر بالله سبحانه وتعالى وبجمال آياته.

رابعاً: مراقبة النفس وتهذيبها.

خامساً: التصميم والإرادة على عدم الخوض في مسائل هذه الدنيا إلاَّ ما كان فيه مصلحة لنفسه السليمة والأمة الإسلامية ككل.

سادساً: الإكثار من العبادة.

سابعاً: الخوف والرجاء من الله تعالى.

وإلى ما هنالك من أمور تقرِّب إلى الله تعالى ويكون فيها رضاً لله تعالى. يقول إمام الأمة الخميني العظيم في وصفه للذين يعتبرون أن الدنيا وسيلة لهم للوصول إلى الآخرة: "إن أهل الآخرة هم أشاحوا بوجوههم عن الدنيا، فكلما ازداد توجههم نحو الآخرة، قلّ‏َ التفاتهم واهتمامهم بهذه الدنيا، وتلاشت حاجتهم إليها، وظهر في قلوبهم الغنى، وزهدوا في الدنيا وزخارفها، كما أن أهل الله مستغنون عن كلا العالمين الدنيا والآخرة، متحررون من كلتا النشأتين وكل حاجتهم نحو الغنى المطلق، متجلياً الغنى بالذات في قلوبهم، فهنيئاً لهم".


أسئلة حول الدرس:
1- ما هو الهدف الحقيقي من وجود الدنيا والآخرة؟
2 - ما هو دور الدنيا في حركة الإنسان نحو الله تعالى؟
3 - كيف تكون الدنيا وسيلة المؤمن إلى الله تعالى؟
4 - عدّد بعضاً من الأمور التي توصل إلى الله تعالى؟


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع