نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قصة قصيرة: الرسالة

أميمة محسن علّيق‏


كل الأغراض التي أحاول ترتيبها داخل خزانتي رائعة.. لكن الأروع "بلا شك" هو مسألة الترتيب نفسها.. فالأوراق لا يدري أحدٌ من أين أتت، والكتب تتكدَّس، والملابس مكوَّمة وكان لا بدَّ من البدء..

قلتُ لنفسي وأنا أشد بصري إلى مجموعة صورٍ وأوراق: يجب أن أختار بين متابعة التفتيش في هذه الأغراض وبين إزالة هذا التكوُّم من الغرفة.. احترتُ في الاختيار، ذلك أن لكل شي‏ءٍ من هذه الأشياء ذكرى جميلة.. أطفأت ضوء الاختيار الشاحب وبدأتُ أقلِّب مع كل غرضٍ دفاتر الذاكرة أفتحها بحنين غريب.. وكلما حملت شيئاً فاحت رائحته داخل رأسي كي تسحب منه تسلسل أحداثٍ متعلقة به.. إهداءات خطَّتها أيدي أصدقاء، منهم من رحل ومنهم ما زالت طرقاتهم تبتعد أو تقترب مني.. هدايا بسيطة معبِّرة بعضها طريف وبعضها الآخر جميل وبعضها قبيح لكن السنوات التي مرَّت محت القبح ولم تترك إلاَّ الجمال ولا شي‏ء سوى الجمال.

ووقعت بين يدي ورقة بدأت الصفرة تزحف إليها ويتسرّب الحبر منها فتصبح قراءتها أصعب.. شدَّتني الورقة فأحسستُ أنني أعرف هذه الورقة أكثر من أي شي‏ءٍ آخر وأنني أرتبط بذكرى يجب ألاَّ تُمحى، نعم أعرفها.. بدأت أقلِّب الورقة وأقلِّب معها ذكرياتي، فسقطت الذكرى مدوّية والتمعت داخل الضباب تفاصيل ذلك اليوم وبدا لي أنني كتبت هذه الورقة منذ وقتٍ قصير، ربما بالأمس.. معظم القصص ليس لها بداية ولكن الغريب أن قصتي لها بداية واضحة وهذه الورقة هي التي تؤرِّخ لهذه البداية.. فهذه الورقة ليست سوى الرسالة التي بعثت بها لأمي قبل يوم من تلك الحادثة.. كان ذلك قبل عشر سنوات على وجه التأكيد يُخيَّل إليّ‏َ الآن أنني أسمع وجيب قلبي يضرب في جسدي كالوتر المشدود كنتُ أقضي الصيف في الضيعة ككل سنة تقريباً.. رفَّت أجنحة الذاكرة وأبصرتُ بدقة الطريق التي كنا نسلكها أصدقائي وأنا لدى عودتنا مساءً إلى بيوتنا بعد يومٍ طويل قضيناه على ضفاف النهر المجاور..

كان الهدوء الكامل يخفي تربصاً مستثاراً.. لا زلتُ أذكر صدى كلماتنا ونحن نحلم باليوم الذي يرفرف علم المقاومة مكان ذلك العلم الأزرق فوق قلعة الشقيف.. التعب بدأ يسري فأخذنا نسكن شيئاً فشيئاً.. لكن الدقائق التي تلت لم تكن هادئة.. فالرصاصات الأولى التي سمعناها كانت النذير عن أن الساعات القادمة أعظم وتلتها طلقات، راحت تتضاعف ثم تتصاعد، تقوى وتقترب وتتنوَّع واختلط الرصاص بالقنابل وراحت الأصوات تهدر في الفضاء.. ثم انكشف الدخان عن بعض الأجساد التي ترتعش في الدماء بالخفقات الأخيرة من أنفاسها. هل بكيتُ يومها؟ لا أذكر شيئاً الآن، كل الذي أذكره أنني لم أستطع تحريك قدمي وأُغمي عليّ‏َ..

قضيتُ بعدها شهرين في المستشفى.. وبالرغم من هذه المدَّة لم يشفَ جرحي نهائياً.. واستمرَّت أمي حتى الان في التحدث للزائرين عن الرسالة التي تلقتها مني وكيف انقبضت فيها حين قرأتها وعلمت أنني سوف أمضي عدة أيام قبل عودتي الى بيروت.. ومن حين لآخر تقرأها أمام بعضهم:

أمي الغالية..
اشتقتُ إليك كثيراً.. كيف حالك وحالك... ...
لا زالت الرسالة كما هي حين كتبتها.. لكن جرحي أجرى بعض التغييرات على جسدي وقلبي.. فأصبحا موشومين بأثر الرصاص...

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع