نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شباب: دعوة خاصّة

ديما جمعة فواز

كانت "فاطمة" تجول في أنحاء المنزل الذي لم تعد تشعر برحابته رغم كثرة الأحبّة. لم يكن أحد يدرك السبب من دعوة العمّة "هالة" المفاجئة للعشاء، وعلى الرغم من ذلك التزم جميع أفراد الأسرة بالتوقيت الذي حدّدته دون أن يجرؤ أحد أن يسألها إن كانت أنهت فترة صومها وحدادها أم أنّها مجرّد بادرة محبّة. فمنذ استشهاد ابنها البكر "باقر" تغيّرت "العمّة" وأمست زاهدة بكلّ الحياة وبهارجها. امتنعت عن الأكل وبدأت رحلة الصوم يوميّاً، وعند إفطارها تكتفي بقليل من اللّبن والتمر وبعض الفاكهة المجفّفة.

لم تتخيّل فاطمة أن تعود مجدّداً إلى هذا المنزل الدافئ وتشارك الزوايا افتقاد حيويّة باقر ولطفه. كم كان يحبّ أن يدعو الرفاق إلى منزله. لطالما كان يتفاخر بموهبة أُمّه وقدرتها المبدعة على إعداد أصناف الطعام اللّذيذ، لدرجة أنّه لم يفوّت وجبة طعام في منزله سوى عند التحاقه بالجبهة. وقد اعتادت العمّة هالة أن تصوم أيام غيابه لتقيم مأدبة شهيَّة للجميع احتفاء بسلامة باقر وعودته إلى المنزل.. حتّى استشهد! ومنذ ذلك الوقت، لم تقف في مطبخها، وحُرم الجميع من تلك اللّقاءات.

عند الثامنة تماماً، تحلّقت العائلة حول المائدة وكان أمام كلّ صحن ورقة صغيرة، كُتب فيها رقم، وقبل أن تنهال الأسئلة حول سرّ الأرقام، طلبت العمّة من كلّ واحد أن يضع ورقته جانباً ريثما يُنهي طعامه. اكتفوا بهزّ رؤوسهم احتراماً لرغبتها، حتّى فاطمة عاندت فضولها وأمسكت ورقتها بيد مرتجفة بعد أن استرقَت النظر لترى الرقم 27 خُطّ بقلم أخضر على ورقتها، وسرعان ما طغَت قرقعة الملاعق في الصحون على الهدوء النسبيّ في غرفة الطعام.

وبعد مضيّ ساعة من الوقت، وزّعت العمّة هالة الحلوى ووقفت في وسط الغرفة، واستقرّت العيون عليها. همست بصوت رقيق: "أشكر تلبيتكم دعوة باقر إلى طعام الليلة". وما إن لفظت اسم باقر حتّى علت أصوات ضعيفة بالبكاء. ابتسمت العمّة تقديراً لمواساة البعض ثمّ أردفت قائلة: "في كلّ ورقة كُتب رقم" وانهمك الجميع باستراق النظر إلى الورقة التي بين يديه، "هل تعرفون ما هي هذه الأرقام"؟ صاح عليّ: "أنا رقمي 25"، أما فاتن فهمست: "أنا رقم واحد!". هتفت فاطمة بفضول شديد: "كلّا يا عمّة، أخبرينا ما سرّ هذه الأرقام". هزَّت العمّة رأسها وأردفت: "دعوتي لكم إلى العشاء سيشاركنا بها باقر اللّيلة. أنتم ثلاثون مدعوّاً. وكما تلاحظون لقد توزّعت الأرقام من الواحد حتى الرقم ثلاثين. أتمنّى أن يقرأ كلّ واحد منكم جزءاً من القرآن الذي حصل على رقمه. أعرف أنّ ابني باقراً اشتاق لنكهة طعامي، لذلك قرَّرت أن أقيم له مأدبة يدعو إليها أصحابه. وبقدر ما تناولتم الطعام بشهيّة، دعونا ننهل من الآيات بشهيّة نفوسنا الجائعة والتائقة لرضا المولى".

نظرت فاطمة إلى صورة الشهيد في وسط الغرفة، ولثوانٍ خُيّل إليها أنّه يخصّ والدته والجمع الحاضر بابتسامة رضا.

أضيف في: | عدد المشاهدات: