نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

في رحاب بقية الله:المهديّ كعبة الآمال

الشيخ نعيم قاسم

نبقى في رحاب المقطع الأخير من زيارة الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو مفعم بالآمال المرتبطة بظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، بناءً للوعد الإلهيّ بظهوره ونصره وحكم الأرض وما عليها.

*مفتاح قبول الدعاء

"اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَنْجِزْ لِوَلِيِّكَ ما وَعَدْتَهُ، اللّهُمَّ أظْهِرْ كَلِمَتَهُ، وَأعْلِ دَعْوَتَهُ، وَانْصُرْهُ عَلى عَدُوِّهِ وَعَدُوِّكَ يا رَبَّ العالَمِينَ".

الافتتاح بالصلاة على محمد وآل محمد مفتاح قبول الدعاء، ووسيلة اختراق الحجب لمناجاة الله تعالى، وتأكيد الصراط المستقيم في مطالب المؤمنين للخيرات من ربّ العالمين الذي لا يُردّ سائله، قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾(البقرة: 186).

فالمطلوب منّا أن ندعو الله تعالى ليساعدنا على تحقيق أمنياتنا في هذه الحياة الدنيا، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألَا أَدُلُّكُمْ عَلَى سِلَاحٍ يُنْجِيكُمْ مِنْ أَعْدَائِكُمْ ويُدِرُّ أَرْزَاقَكُمْ؟

قَالُوا: بَلَى.

قَالَ: تَدْعُونَ رَبَّكُمْ بِاللَّيْلِ والنَّهَارِ، فَإِنَّ سِلَاحَ الْمُؤْمِنِ الدُّعَاءُ"1.

وهو السبيل لفتح خزائن الله تعالى وإنجاز آمالنا مهما بلغت، فالدعاء مفتاح الآمال والنِّعم، قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام للإمام الحسن عليه السلام: "اعلم أنّ الذي بيده خزائن ملكوت الدنيا والآخرة قد أذن لدعائك، وتكفّل لإجابتك، وأمرك أن تسأله ليعطيك، وهو رحيم كريم، لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يُلجئك إلى مَن يشفع لك إليه... ثم جعل في يدك مفاتيح خزائنه بما أذن فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه"2.

*الوعد الإلهيّ

أول المطالب: "وَأَنْجِزْ لِوَلِيِّكَ ما وَعَدْتَهُ". إنجاز الوعد الإلهيّ بنصر المؤمنين على يد الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويحكم بدين الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أبشروا بالمهديّ - قالها ثلاثاً - يخرج على حين اختلاف من الناس، وزلزالٍ شديد، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يملأ قلوب عباده عبادة، ويسعهم عدله"3.

والثاني المتمّم له هو "اللّهُمَّ أظْهِرْ كَلِمَتَهُ"، بأن يكون الحاكم المطلق على البشرية، "وَأعْلِ دَعْوَتَهُ"، فلا دعوة تنافسها ولا نظام يتفوق عليها ولا أفكار تصمد أمامها، "وَانْصُرْهُ عَلى عَدُوِّهِ وَعَدُوِّكَ يا رَبَّ العالَمِينَ"، فالنصر بيدك ومن عندك، ﴿بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾(الروم: 5).

ثم تتابع الزيارة بالافتتاح مرة أخرى بالصلاة على محمد وآل محمد، لتتّجه المطالب إلى الفرج وظهور صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف، في أبهى وأعظم صورة محاطة بالإنجازات الكبيرة المتوخّاة والمتوقعة من قيادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

*لنعش حقيقة الآمال

إنَّ ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف حدثٌ استثنائيّ، تحقيقاً لوعدٍ إلهيّ، وهو مصحوبٌ بنشر الهدى والأمن والخيرات، وتحقيق المنظومة الإلهيّة المنسجمة مع انتصار الحقّ عندما تتهيّأ له الثلّة المؤمنة ويظهر قائدها.

ترشدنا الزيارة لنسأل الله تعالى أن نعيش مع القائد المسدَّد حقيقة الآمال التي وُعدنا بها أو نتوقّعها مصحوبة بأفضل النتائج، ومنها:

"وَأظْهِرْ كَلِمَتَكَ التَّامَّةَ وَمُغَيَّبَكَ فِي أَرْضِكَ الخائِفَ المُتَرَقِّبَ": هي البداية المنتظرة ليظهر القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف ويتحقّق الفرج، والنهاية ليتحقّق وعد الله تعالى بتعميم العدل على الأرض، وهو وعد لم يتحقّق إلى الآن ولكنَّه سيتحقّق بإذن الله تعالى. وقد رُوي أنَّ عليّاً عليه السلام تلا قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾(التوبة: 33) وسأل الحاضرين بمجلسه: أَظَهَر بعد ذلك؟ قالوا: نعم. فقال: كلا، فوالذي نفسي بيده، حتى لا تبقى قرية إلّا ويُنادى فيها بشهادة أن لا إله إلّا الله، بكرةً وعشياً"4.

"اللّهُمَّ انْصُرْهُ نَصْراً عَزِيزاً، وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً": النصر العزيز هو النصر الواضح، الذي تكتمل فيه كلّ عناصر الفوز. وقد خاطب الله تعالى نبيّه محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم في فتح مكة قائلاً: ﴿وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيز﴾(الفتح: 3). هذا النصر مصحوب بالفتح اليسير وسهولة تحقيقه في سرعة انهزام الأعداء.

"اللّهُمَّ وَأَعِزَّ بِهِ الدِّينَ بَعْدَ الخُمُولِ": لا يكون الدين مسيطراً قبل الظهور، وإن كانت له منعة وحضور عند المؤمنين الخلّص في بعض بلدان العالم وبشكل محدود، وهذا ما عبَّرت عنه الزيارة بالخمول، الذي يتبدّد مع إعزاز الله تعالى لدينه وإظهاره على ما عداه.

"وَأَطْلِعْ بِهِ الحَقَّ بَعْدَ الأُفُولِ": فقد استبدل الناس الحقّ بالباطل، ولا يعود الحقّ عامّاً وظاهراً على كلّ الأفكار الأخرى إلَّا مع وليّ الأمر الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف.

"وَأَجْلِ بِهِ الظُّلْمَةَ": الإيمانُ نورٌ، والكفرُ والضلال ظلام، ولا يبدِّد الظلمة إلَّا نور الإيمان المتجلّي بالإمام المعصوم المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

"وَاكْشِفْ بِهِ الغُمَّةَ": إذ من الطبيعيّ أن تكون الأحزان محيطة بالمؤمنين بسبب الضلال والفساد، ثم تنكشف الأعباء والأحزان مع الإمام، فهو كشّاف الطريق إلى الله تعالى، وطمأنينة النفس في حياتها تحت ظلاله.

"اللّهُمَّ وَآمِنْ بِهِ البِلادَ": في الحديث: "من أصبح معافى في جسده، آمناً في سربه، عنده قوت يومه، فكأنّما حيزت له الدنيا"5، فالأمن ركن الحياة السعيدة، وهو أحد أبرز إنجازات الإمام لجميع الرعية.

"وَاهْدِ بِهِ العِبادَ": قال تعالى:

﴿يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾(المائدة: 16)، فالسبيل الواضح مع الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، ومع هذا السبيل يسقط الدجّالون والمنافقون، ويهتدي به المؤمنون، فالحمد لله على نعمة الهداية التامة بحضوره.

"اللّهُمَّ امْلأ بِهِ الأرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً إِنَّكَ سَمِيعٌ مُجِيبٌ": يا ربّ، ما أسعدنا بانتشار العدل على الأرض، فهذا المشهد لم نعرفه في التاريخ، وهو وعدك للقادمِ من الزمان، إنّك السميع المجيب لدعوات المؤمنين.

تُعلّمنا الزيارة عيش الأمل لتحقيق الآمال، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الأمل رحمة لأمّتي، ولولا الأمل، ما رضَّعت والدة ولدها، ولا غَرَس غارسٌ شجرة"6.

وقد حفلت الآيات والروايات بالتهيئة لتحقيق هذه الآمال، وهو وعد الله تعالى الذي لا يخلف وعده، ﴿وَعْدَ اللهِ لاَ يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾. وما انتظار الفرج إلّا جزء من هذه الآمال الحقيقية.

بهذه الروحية، وعيش الإيمان والتقوى، ندخل الحرم الشريف، "السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ الله، إِئْذَنْ لِوَلِيِّكَ فِي الدُّخُولِ إِلى حَرَمِكَ صَلَواتُ الله عَلَيْكَ وَعَلى آبائِكَ الطَّاهِرِينَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ"، ونعيش حياتنا كذلك.


1- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص: 468.
2- بحار الأنوار، المجلسي، ج 74، ص: 204.
3- مجموعة الرسائل، الشيخ الصافي، ج2، ص300.
4- مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج9، ص:464.
5- الخصال، الشيخ الصدوق، ص161.
6- بحار الأنوار، م.س، ج74، ص173.

أضيف في: | عدد المشاهدات: