نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نصوص تراثية:تذكّر يا ولدي: منَّة الله عليك

السيّد رضيّ الدين ابن طاووس

*تذكَّر يا ولدي كيف خلقك

ذكّرك الله جلَّ جلاله بمواهبه، ونوّر سرائرك بعجائبه ومناقبه، أنّك في وقت تعريفك بجلاله وتشريفك بإقباله محتاجٌ إلى طعام، ومن يعمله من الأنام، وإلى ريقٍ يسهّل الطعام ويليّنه وإلى ما تشربه ليحمله على ظهر ذلك إلى مجاري الأنهار في الأعضاء.

واعلم، علّمك الله جلَّ جلاله، ما عمل معك وعلّمك، وألهمك التحقيق كيف اصطفاك، أنّ الخبز ما يصل إلى يديك حتّى يستخدم لك فيه الأفلاك، والأرضون، والليل، والنهار، والملوك وأعوانهم في الأقطار، النجارين والحدادين والتجار، والخبازين ومن يجعله من الآدميين، وكيف تَعب مَن تَعب منهم في تدبيره وهلَك من هلك منهم بالآثام بسوء تغريره، وأنتَ يا ولدي محمَّد، سالم عن ذلك الخطر صغيره وكبيره.

*إيّاك أن تهون بحقوق نعمته

ثمَّ جعل لك من أنواره ومبارّه عيناً تنظر إليه، ويداً تمتد نحو الخبز وتقبض عليه، وفماً، وأسناناً، وتدبيراً محكماً لا يحتوي وصفي عليه؛ وأجرى لك الريق من حيث لا تعلم من مجاري ما حفرتها ولا حفر لك آباؤك ولا أمهاتك، ولا كان من الخلائق من يقدر أن يجريه إلّا من بيده حياتك ومماتك وجعل مجاريه بقدر حاجتك إلى تلك اللقمة، فلو كان أكثر من حاجتك كان قد جرى إلى خارج فمك وكدر عليك، ولو كان دون حاجتك كانت اللقمة يابسة، لا تتهنّأ بها على عادتك. فإيّاك ثم إيّاك، أن تهون برحمته وحقوق نعمته وعظيم هيبته وحرمته، وأنك تحت قبضته.

* تذكَّر كيف خلق الماء وأبدع

ذكّرك الله جلَّ جلاله بما يريد من مراحمه وعرّفك بفضل مكارمه، كيف أجرى الماء الذي تحتاج إليه من العيون، ومن تحت الأرضين وفتقها بقدرته، وفيها ماء هو بين صخر أصمّ، يعجز عن فتقه قوّة العالمين.

ثمّ كيف أنزل ما أنزله من السحاب المسخّر بين السماء والأرض، وجعل السحاب كالمنخل؛ لينزل بنقط متفرقة سهلة النزول من ذلك العلى، ولو جعله جارياً من الغمام مثل جريه في البحار والأنهار، لكان أهلك بني آدم، وأتلف ما خلق لهم من النبات والأشجار، وخرّب ما بنوه من الديار.

وكيف لم تخلط النقطة في طريق نزولها بمصادمة الهواء، وكيف جعله في وقت دون وقت، بحسب الحاجات، وجعله مباحاً مطلقاً للعزيز والذليل في سائر الأوقات، لما علم أنّه من أهمّ الضرورات؛ لئلّا يمنعه الملوك الظالمون عن المحتاجين إليه، وكلّ عدوّ عن عدوّه، ويفسد تدبير الدنيا ويموت من منع منه بالمغالبة عليه.

*فاذكر عند شربك له

فاذكر عند شربك له ما ذكرت من رحمة سيدك عليه، واعرف له المنّة العظمى، واحمده بغاية ما أقدرك عليه. وتذكّر، عند شرب الماء، أنك ما صحّ لك الانتفاع بلذّة تلك الشربة اليسيرة حتّى عمل الله جلَّ جلاله لأجل شربك مملكة كبيرة؛ لأن شربتك تحتاج إلى وجودك وحياتك وعافيتك، وهذه الأمور تحتاج إلى جميع ما في الدنيا ممّا يتعلّق وجوده لمصلحة شربتك. وتذكّر ترويحه جلَّ جلاله للماء حتّى يبرد، ويكمل ما تريده من لذّتك ولو كان قد روحها حتّى يبرد بعض (خدمك) ويد (جاريتك) كنت فضّلتها على غيرها، وزدتها في محبّتك، وجازيتها بحسن قدرتك، فلأيّ حال لا تكون القلوب متعلقة بإحسان الله جلَّ جلاله وشفقته كما هي متعلّقة بإحسان عبد من عبيده الذين إحسانهم من إحسانه إليك ومن جملة نعمه عليك.


(*) كشف المحجّة لثمرة المهجة، السيّد رضيّ الدين ابن طاووس.

أضيف في: | عدد المشاهدات: