نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أول الكلام: فأصبحوا جَاثِمِينَ

السيد علي عباس الموسوي

خلق الله عزَّ وجلّ، بحكمته، هذا الكون، وجعله يسير وفق نُظم وقوانين، وهي تسير وفق ما أمر الله به، ممّا فيه سير نحو الهدف والغاية التي كانت علّة وسبباً لخلق هذا الكون. وهذه النظم والقوانين كما تكون الحاكمة في عالم التكوين، أي في الأفعال التي تجري في الكون وهي خارجة عن إرادة الإنسان، كذلك تجري في الأفعال الاختيارية الصادرة عن الإنسان، فلكلّ شيء سبب في حركة السماوات والأرض، ولكلّ شيء سبب في فعل الإنسان الاختياريّ. وهكذا الحال في النتائج والآثار المترتّبة على كلّ ما يجري في هذا الكون.

نعم، يمتاز الفعل الاختياريّ للإنسان بأنّه سوف يقع مورداً للحساب والسؤال في الآخرة. ويترتّب على ذلك الثواب والعقاب، فالناس موقوفون لأنهم "مسؤولون"، ولأنهم مسؤولون فهم "مثابون ومعاقَبون".

ولكنّ نتائج الأفعال الصادرة عن الناس لا تنحصر في عالم الآخرة فقط، بل إنّ من النتائج ما يترتّب في هذه الدنيا، ويلاقي الناس آثار أفعالهم في حياتهم الدنيوية هذه. وبهذا، تكون الدنيا هي دار المثوبة والعقوبة أيضاً، ولا ينتظر بالأمر الانتقال من عالم الدنيا إلى الآخرة.

والفعل الاختياريّ الصادر عن الإنسان لا يختصّ بالفعل على مستوى الفرد، بل يشمل الفعل على مستوى الجماعة أو الأمَّة، فعندما تجتمع أُمَّةٌ على فعلٍ ما وتقوم به، فإنّها سوف تُسأل عنه يوم القيامة، ولا يعود النظر حينئذٍ إلى مشاركة الأفراد أو مدى مشاركتهم، بل يعمّ المشارك في الفعل والمتصدّي له والآمر به والراضي به أيضاً.

نعم، هذه الآثار - خيراً كانت أو شرّاً - عندما ترتبط بالأفعال الصادرة عن الأفراد، ونظراً لمحدودية أعمارهم، لن تجدها بعيدة في الفاصل الزمانيّ عن الأفعال المسبّبة لها، ولكنها عندما ترتبط بأفعال الأُمم، فإنك سوف تجد الفاصل الزمانيّ ممتداً، بنحو يظنّ الناظر إلى حال هذه الأُمم، أنها قد كتبت لها النجاة.

وهذا الفعل، إن كان خيراً، كان الثواب وكان النعيم للأُمَّة كلّها، فالاستقامة في طريق الهدى مثلاً يترتّب عليها وفورُ الخيرات وتنزّلُ النعم الإلهيّة، وهذا ما ذكره تعالى بقوله: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَق(الجن: 16).

وأمّا لو كان الفعل شراً، أي مخالفاً لما يريده الله عزَّ وجلَّ، ومخالفاً للتشريع الإلهيّ المنزَّل على الأنبياء والرسل عليهم السلام، ومخالفاً لأوامر من أمر الله بطاعتهم، فإنَّ العقوبة لا بدَّ وأن تترتّب على الجماعة كافة، وهذه العقوبة قد تتحقّق في الدنيا حيث ينزل العذاب فيعمّ الجميع. فالانحراف، عن خطّ الهدى، عندما يصدر عن الجماعة، فتتحوّل من الهدى إلى الضلال، فإنها سوف تنال جزاءً في هذه الدنيا وفي الآخرة، ومنه يُفهم كيف أنّ القرآن عبّر عند بيانه للعذاب النازل على قومٍ بأجمعهم بأنه نتاج فعل صادر عنهم، فنسبه إلى الجماعة، وكان الأثر عقاباً للجماعة، وقد قال تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ* فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ(العنكبوت: 37).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

أضيف في: | عدد المشاهدات: