نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قراءة في كتاب: التربية الحزبيَّة الإسلاميَّة (حزب الله نموذجاً)

زينب الطحّان

"البحث في حالة حزب الله ليس مسألةً يسهل معها الإجابة عن سؤال علم الاجتماع، سيَّما الاجتماع السياسيّ الإسلاميّ".

هذا ما جاء في مطلع مقدِّمة الناشر "دار الأمير" لكتاب "التربية الحزبيَّة الإسلاميَّة (حزب الله نموذجاً)". إلّا أنّ صاحب الكتاب الدكتور "حسين أبو رضا" تمكَّن من تجاوز هذه الصعوبة في بحث أكاديميّ نال عليه درجة الدكتوراه من الجامعة اللبنانيّة، بفضل أدوات منهجيّة اتّبع فيها مرجعيّات علم الاجتماع الحديث في تثبيت أطروحته القائلة إنَّ "حزب الله" يمثّل نموذجاً يُثبت فرادته بعد نحو ثلاثة عقود على تجربته.


*"حزب الله" حركة إسلاميّة فريدة من نوعها

ونموذج "حزب الله"، صورة لا تشبه في معاييرها ومنطلقاتها أيَّة حركة إسلاميَّة أخرى، يتوسَّل في آليّاته العملاتيّة الحداثة المعاصرة، ويجدّد روحيَّة الإسلام بما يتوافق وكلّ متغيّرات الحياة المطّردة، معتمداً آليّة حركيّة ومرنة لا تنفكّ تعطي ثمارها، وهي القيام بأعباء تربية حزبيّة إسلاميّة، لكلّ قطاعاته الاجتماعيّة ودائرة بيئته الإنسانيّة.

كتاب "التربية الحزبيّة الإسلاميّة (حزب الله نموذجاً)"، يعرض هذه التجربة مشرّحاً تفاصيلها ومحاورها الأساسيّة في ثلاثة أبواب رئيسة:

- الباب الأول، بحث فيه حول مقاربة في مفهوم التربية الحزبيّة العامّة والإسلاميّة الخاصّة.

- الباب الثاني، تركّز الحديث فيه عن "حزب الله"، النشأة والعقيدة والتنظيم.

- الباب الثالث، جرى الحديث فيه عن "التربية الحزبيّة عند حزب الله".

*وقفة تاريخيَّة عند "الحزبيَّة الإسلاميَّة"

يتوقَّف الكاتب عند ظهور الفِرَق الإسلاميَّة، وتطوّر شكل الاجتماع السياسيّ لها وتجذّرها الدينيّ، الذي يرجعه إلى اجتماع سقيفة بني ساعدة الذي حصل بُعيد وفاة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم للبحث في مسألة السلطة في الإسلام، ويثبت أنَّ التاريخ العربيّ قد عرف أشكالاً مختلفة من الأحزاب وإنْ لم تُستخدم اللّفظة نفسها، وأنَّ منشأها لا يقف عند الاستيراد الغربيّ للمفهوم والتجربة.

ويبرع الكاتب في تبيان دور الحزب بصفته مؤسّسة اجتماعيّة، منضوياً في نظريَّته تحت أسس العلم الاجتماعيّ المعاصر، ليبرهن على أنَّ الحزب السياسيّ مؤسَّسة مجتمعيَّة بامتياز، والتربية هي المفهوم الأساسيّ للحزب وهي أهمّ أهدافه. ولعلَّ هذه النتيجة التي يبرهنها الكاتب تعدّ من أهم الخلاصات التي أتى بها.

*"حزب الله": التربية الإسلاميَّة الأساس والقاعدة

أمَّا التربية الحزبية عند "حزب الله"، فقد ساق لها المؤلّف باباً مستقلّاً مؤلّفاً من فَصلين معزّزين بعناوين تزخر بالتفاصيل، ومن ضمنها أنّه حدّد الدعوة والتبليغ الديني هدفاً أوّلاً، والتربية الحزبيّة الإسلاميّة وسيلته الفضلى، وكذلك شارك في العمل السياسيّ، من وجهة نظر إسلاميّة.

تبلْور تشكيل "حزب الله" في ظلِّ الثورة الإسلاميّة في إيران وحوى الطائفة الشيعيّة تحت جناحه الحركيّ، وهو أمرٌ كان ملحميَّ الالتصاق في بيئة تعجّ بالطوائف. وهو إلى جانب ذلك تميّز بأنَّه حزب يلتزم رسالة سماويّة، وليس طائفيّاً من منطلق التركيز على البُعد الدينيّ والأخلاقيّ الذي تؤمن به كلّ الأديان. ولكنَّه مارس الطائفيّة السياسيّة اضطراراً، كونها مفروضة، بحكم طبيعة النظام السياسيّ اللّبنانيّ. ودخل إلى بنية المجتمع وتفاعل معه تفاعلاً متيناً في نشله من الحرمان، وأخذ بيد الجيل الشاب نحو أبواب العلم والمعرفة. وإلى جانب ذلك، أسّس لنهضة ثقافيّة دينيّة قائمة على مدرسة الفكر الشيعيّ لأهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من خلال إعادة الروح إلى الحوزات الدينيّة وإحياء حركة المساجد بالحلقات الثقافيّة الدينيّة.

وهو في ظلّ عملية البناء هذه كانت تُشكّل ثقافة المقاومة والاستشهاد عموداً فقريّاً، في المجتمع الشيعيّ اللّبنانيّ، الذي كان يعاني من الاحتلال ردحاً طويلاً.

وتُعدّ "ولاية الفقيه" من أبرز المفردات الكبرى في بنية "حزب الله". وليس هناك أوضح من تعبير الأمين العامّ لحزب الله سماحة السيّد حسن نصر الله عن ذلك عندما قال في إحدى مقابلاته الإعلاميّة إنَّ "أهميّة وحدة القيادة المتمثّلة بالاعتقاد بولاية الفقيه، هي التي أدَّت إلى نجاح "حزب الله" في العمل الحزبيّ، لأنَّها وحّدت "حزب الله"، وجعلته قويّاً ومرتاحاً، وبعدها قام "حزب الله" بتوحيد الشيعة من حوله".

عدّد المؤلف المفردات الأساسيَّة التي تشكِّل الهيكليَّة الثقافيَّة والإيديولوجيَّة لـ "حزب الله"، شارحاً كيف ترتبط عضويّاً بالمشروع الإسلاميّ العالميّ، وبالتحديد ثقافة الانتظار للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف والوحدة الإسلاميّة ضمن رؤية ولاية الفقيه.

وحدَّد الكاتب خصائص المرتكزات الثقافيّة عند "حزب الله"، والتي تتمايز عن غيره من الحركات الإسلاميّة بمسافات واسعة.

*"حزب الله" نحو مسارات تغييريّة

في فصله الأخير ينتهي الكاتب إلى التغييرات التي تدرَّجت في مسيرة "حزب الله"، ومنها التعديل في نظرته إلى تطبيق الأحكام الإسلاميّة في المناطق الخاضعة لنفوذه، حيث لا يفرض تطبيق الأحكام الشرعيَّة على الناس، ولكنّه إلى جانب ذلك قام بإنشاء أساليب إعلاميّة تسانده في دعوته الإسلاميّة.

ويمكن أن نعدّ عملية النقد الذاتيّ، والتي هي غريبة عن مجتمعاتنا الإسلاميّة والعربيّة، وأحزابها السياسيّة، من أكثر الأدوات اعتماداً عند القيادة الحزبيّة لتقويم الأداء وتوجيه العمل نحو الأفضل.

*الكتاب مرجعيَّة علميَّة

بعد دراسات عديدة تعرّضت لمسيرة "حزب الله" وخطِّه السياسيّ، يشكِّل كتاب "التربية الإسلاميّة الحزبيّة (حزب الله نموذجاً)" للدكتور "حسين أبو رضا" المرجع الأشمل والأكثر مصداقيّة كونه صادراً عن واحد من أبنائه ممن عايشه منذ اليوم الأوّل لتأسيسه. فكان أن سجّل بذلك أنّ "حزب الله" بدأ يؤرِّخ لتجربته الفريدة، وإن لم يكن بشكل رسميّ تنظيميّ، كما أوضح صاحب الكتاب. وفي الكتاب تأكيد على أنّ التربية الإسلاميّة الحزبيّة تستمدّ تعاليمها من ربِّ العباد وشريعته.

ونتَّفق مع الكاتب في أنَّ الكتاب محاولة لسدّ ثغرة معرفيّة في المكتبة الثقافيّة العربيّة عموماً حول التجربة الإسلاميّة الحزبيّة، من خلال طرح نموذج "حزب الله". خصوصاً أنّه حاول ترسيخ فكرة أنّه لا فصل بين التربية وبين الحزبيّة، بل هناك تربية حزبيّة إسلاميّة.

*ملاحظات لا بدَّ منها

إنّ وفرة المعلومات والقدرة العالية على التحقّق من مصادرها الواقعيّة، أنجحا الكاتب في أن يُنجز بحثاً عميقاً سيصبح حتماً من مراجع الباحثين في الدراسات الإنسانية عموماً. إلّا أنَّ هاتين الخاصيَّتين أيضاً أوقعتا الكاتب في "فوضى" منهجيَّة، أفضت إلى تكرار بعض المعلومات في العديد من المناحي البحثيَّة. فعلى سبيل المثال، من الجدير أن يبدأ البحث في الباب الذي يخصّصه لـ"حزب الله" مفصّلاً هيكليَّته البنيويَّة بتعريف الهويّة، نراه يوردها في الفصل الثاني، من الباب الثالث، بعد تعداد أكثر من عنوان قبلها.

إلى جانب ذلك، هو في بحث الهويّة يمرّ سريعاً، مع أنّه من أعقد الجوانب المتعلّقة بمسيرة "حزب الله" تحديداً، كونه لا يزال متّهماً إلى اليوم أنّه فصيل تابع للإيرانيين، يعيش على أرض لبنانيّة. ولم يكن كافياً منه أن يتلو علينا مقطعاً طويلاً وحيداً عن أنّ إسلاميّة "حزب الله" هي أحد أبعاد هويَّته السياسيّة.. فهو حزب إسلاميّ وعربيّ ووطنيّ. أضف إلى أنّه أسهب في بداية حديثه عن الهويّة في جملة تعريفات فلسفيّة، لا تفضي بنا إلى نتيجة ودون ربط بينها وبين مسار "حزب الله" وهويّته.

أضيف في: | عدد المشاهدات: