إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد

نصوص تراثية: تذكر يا ولدي. حصون الله... المنيعة

السيّد رضيّ الدين ابن طاووس

كشف المحجّة لثمرة المهجة
من النصوص التراثيّة لعلمائنا الأعلام المرتبطة بوصاياهم الأخلاقيّة اخترنا كتاب "كشف المحجَّة لثمرة المهجة" تأليف "السيّد ابن طاووس" الذي قال عنه: "أرجو به لي ولأولادي ولغيرهم من سعادة الدنيا والآخرة". فمع عبائر الموعظة من لسان المقرّبين نترافق.

*تذكَّر يا ولدي

ثم تذكّر يا ولدي محمّد، جلالَ مقامه، وكمالَ إنعامه بأن جعلك أهلاً لأن يبعث إليك رسُلاً من ملائكته، حفظةً بما شرّفك به من طاعته، وتجميلاً لذِكرك بإظهار ما يتقرّب به من خدمته بين الملأ الأعلى من خاصّة، وليكونوا شهوداً على مقدس حضْرته يوم اجتماع الخلائق لمحاسبته، وما أجاز في شرعه الذي ارتضاه شهادة عبدٍ على مولاه إلّا شهادة ملائكته لك على مقدس حضرة ربوبيّته، وابدأ بالتسليم عليهم، كما أشرت إليه، في كتاب (المهمّات والتتمّات)، وصاحِبهم أحسن مصاحبة في سائر الأوقات، ولا يسمعوا منك إلّا جميلاً ولا يحضروا معك مجلساً إلّا ويرونك عبداً لمولاك، ومولاهم ذليلاً، ولا تكتب على أيديهم إلى سيّدك الذي أنت مفتقر إليه في أمرك كلّه، إلّا كتاباً يصلح أن يعرض عليه، منزّهاً ممّا يكرهه، ويأباه مملوّاً مما يحبّه ويرضاه، كما جرت عادة المملوك الضعيف إذا كتب كتاباً إلى مالكه الأعظم صاحب المقام العالي الشريف.

*من كنوز كرم الله جلّ جلاله

فإن غفلْتَ في ليلك أو نهارك عنه، وآثرت عليه مَن ليس فيه منه فتُب في الحال، من غير إهمال، وتصدَّق بصدقة تطفي عنك نيران الذّنب، فإنّ صَدَقة السرّ تُطفي غضب الربّ، ولا يشغُلنّك الملائكة الحافظون، ولا أحد من بني آدم الحاضرين الذين هم بعد وقت قليل ميّتون عن مولاك ومولاهم، ومالك دُنياك وآخرتك، ودنياهم، وآخرتهم، فإنّ العقل قضى أنه يَقبُح من العاقل أن يشتغل بمملوك عن مالك، وهو من أخطر المسالك وطريق المهالك. وقد ذكرت في كتاب (المهمّات والتتمّات) كيف يُحاسِب المَلَكان في آخر نهارك وآخر ليلك، على تفصيل جليل، فاعمل على ذلك فإنّه من كنوز كرم الله جلّ جلاله الجزيل.

*تذكَّر يا ولدي

ثم تذكّر يا ولدي محمد، أغناك الله جلَّ جلاله بتذكاره وأنواره، وجعل إيثارك متابعاً لإيثاره، أنّ الوقت الذي شرّفك فيه بالعقل وما هو له أهل، وبعث إليك حفظة ملائكته، تحتاج إلى أن تعرف أعداء مولاك وأعداءك الذين يريدون أن يحولوا بينك وبين نعمته وعنايته، ويشغلوك عن شرف مراقبته وعن هيْبته وعظَمته، فمنهم الشيطان الذي أهلك نفسه وحسد الذين يرجى لهم السلامة وقصَدهم بالعداوة، وقد جعل الله جلّ جلاله لك منه حصوناً منيعة ودروعاً وسيعة فلا تفارقها، منها: الإخلاص في طاعة رب العالمين، قال الله جل جلاله عن هذا العدو اللعين ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (ص: 82 83)، ومنها: الإيمان والتوكّل على الله جلّ جلاله فإنّ مولاك قال: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (النحل: 99)، فإن لم تهدم أنت في هذين الحصنين ثلمة لهذا العدوّ الرجيم، بالغفلة عن مولاك العظيم، والمعصية لسيّدك ومتابعة العدوّ الذميم، وإلّا فإنّه لا يقدر هو ولا أعوانه على هدم ذلك السور المكين، ولا هدم ثلمة فيه أبَد الآبدين فاحفظ السورَيْن بالإخلاص والتوكّل على الله.

واعلم أنّ هذا العدوّ من أحقر الأعداء، لأنّه ما قدر أن ينفع بعد الموت من أطاعه، ولا يضرّ مَنْ عصاه، وهو كالكلب للراعي، إذا عرض لك، فاطلب من مولاك أن يكفيه عنك، ولا تشتغل بمحاربته بقدرتك، فيبلغ غرضه ويشغلك عن خدمتك لمولاك وسعادتك.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع