نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع الإمام الخامنئي: بالتربـيـــة تُجلى معادنـكم(*)

ورد عن النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة"1. هذه الجملة الشريفة موجزة وغنيّة بالمعاني، وهي تتحدَّث عن وجود استعدادات وقابليّات كامنة في كلّ فرد من أفراد الإنسان.

يريد صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول: إنّ هناك نوعين من المعادن: الذهب والفضّة -وهما قد ذُكرا على سبيل المثال- في باطن الأرض، كما توجد معادن أخرى متنوِّعة ومتعدِّدة، فرغم أنَّ الظاهر على وجه الأرض هو الحجر والتراب، إلّا أنّه في داخل الأرض والحجر وتحت التراب العاديّ نجد عنصراً ثميناً كالذهب والفضة، ولا يمكن مقارنة قيمته بالقيمة التي نلاحظها أو نشاهدها في الظاهر.

*استعدادت قيِّمة وقابليّات عظيمة

والناس، هم كذلك أيضاً. لهم ظاهر يراه الإنسان في حركاتٍ وسكناتٍ، وأقوالٍ، وسلوكيّاتٍ وأفعال؛ ولكن أيضاً لهم باطن، وهذا الباطن هو عبارة عن وجود قابليّات واستعدادات متراكِمة، وضعها الله تعالى في الإنسان.

وهذه الاستعدادات والقابليّات، ليست على حدّ سواء. فالجميع، في الظاهر، يتشابهون ولكن ما هو في حالة الكمون، وما هو في باطن الإنسان تُعتبر قيمته أكثر بكثير ممّا يُشاهد في الظاهر.

كذلك المعادن، فإذا سعيتم وبذلتم الجهد، فإنّه يمكنكم أن تصلوا إلى هذه المادة القيّمة الموجودة في الأرض. والإنسان كذلك، أيضاً، يحتاج إلى السعيّ؛ لكي يوصل هذه الاستعدادات التي في داخله إلى مرحلة الفعليّة. والشرط اللّازم هو أن تتعرّفوا إلى هذه الاستعدادات التي في داخل كلّ شخص.

لأنّ الشخص الذي لا يعرف ما هو الذهب أو ما هي الفضّة، لو صادفه سيصرف النظر عنه، لأنّه لا يعلم عنه شيئاً. وبالنسبة للإنسان الأمر هكذا، ينبغي لمربِّي البشر ومربِّي الأطفال وبالأخصّ الشباب، الذين يريدون أن يستفيدوا من هذه الاستعدادات الفطريّة الموجودة عندهم، أن يتعرّفوا إلى هذه الاستعدادات والقابليّات، أن يعرفوا قيمتها، وفيما بعد يتحرّكون اتّجاهها.

كما في علم الجيولوجيا، فإنّنا نتحرك ونبحث، لنرى هل تحتوي هذه الأرض على المعادن أم لا، وما هو ذلك المعدن، وكم يبلغ مقداره وكميّته وحجمه، وما هي طريقة استخراجه وإظهاره... وفيما يتعلّق بالبشر الأمر أيضاً كذلك، فلدى بعضهم قابليّات واستعدادات بارزة ومميَّزة وكثيرة، وبعضهم لديه استعدادات وقابليات أقلّ.

*اكشفوا عن استعداداتهم

وأيضاً هناك فروقات في نوعيّة الاستعدادات والقابليّات؛ فالذهب هو لازم وضروريّ في محلّ، والفضّة أيضاً لازمة وضروريّة في محلّ آخر. فحيثما ينبغي أن تستفيدوا من الفضّة، إن استخدمتم الذهب، لن تصلوا إلى نتيجة؛ وحيثما ينبغي أن تستفيدوا من الحديد، إن استخدمتم الذهب، لن تصلوا إلى نتيجة. فكلّ منهما لازم وضروريّ لأجل عملٍ ما.

والناس بقابليّاتهم واستعداداتهم المتنوِّعة، يؤمِّنون حاجة المجتمعات البشريّة، للسير إلى الله والسير إلى الكمال؛ وينبغي أن تُستخرج كافة هذه الاستعدادات، وهذا ما يجعل وظيفة ومهامّ مربّي المجتمعات ثقيلة، وأيضاً يجعل وظيفة ومهامّ الحكومات ثقيلة. إنَّ العثور على الاستعداد، ومعرفته، ومعرفة قيمته، ومعرفة سبيل استخراجه وإيصاله إلى مرحلة الفعليّة، ثمَّ بعد ذلك متابعته بدقَّة وبراعة تامَّة، هو الذي سيُثمر عند بروزه.

*ليُثيروا لهم دفائن العقول

ولقد كان الأنبياء يمارسون هذا الفعل "ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكّروهم منسيّ نعمته... ويُثيروا لهم دفائن العقول"2.

الأنبياء كانوا يثيرون عقول البشر، وكانوا يبعثونها، ويحثّونها على العمل، وهذا كلّه استخراج للاستعدادات. وانطلاقاً من أنّ "الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة"، لا ينبغي أن يُنظر إلى أيّ إنسان نظرة احتقار وازدراء؛ كلا، فهو لديه الاستعداد، وما أحوج المجتمع إلى ذلك الاستعداد.

صحيح، هناك مجموعة من الناس يأتون إلى عالم الدنيا، ويعمّرون سبعين عاماً، وثمانين عاماً، ومن ثمّ يرتحلون. ولكن لا يُكشف عن استعداداتهم هذه، وهم في الحقيقة يُظلمون. فلو كُشف عن استعداداتهم وقابليّاتهم، كان من الممكن أنْ يصبح أحدهم نابغة والآخر شخصيّة بارزة ومميَّزة. وهذا يزيد ويثقل من وظيفة ومهمّة مربّي المجتمع، ومنهم: علماء الدين، والمعلّمون، وإدارات الحكومة، وكافّة الأجهزة التربويّة، على تنوّعها... وحذار أن لا يجري الاعتناء والاهتمام بهذه الاستعدادات والقابليّات.


(*) مقتطفات من كلمة الإمام الخامنئيّ دام ظله التي ألقاها في الذكرى السنويّة لانتصار الثورة الإسلاميّة في 11/2/2013.
1- الوافي: الفيض الكاشاني، ج1، ص827.
2- نهج البلاغة، خطبة 1.

أضيف في: | عدد المشاهدات: