نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح الله: أعينوني بورعٍ واجتهاد(*)


إنّه أمرٌ مؤسفٌ حقاً أن لا يُفسح المجال أمام أمير المؤمنين عليه السلام لإقامة حكومة الله في العالم، بالشكل الذي أراده عليه السلام. فذلك كان فرصة ليفهم العالم كلّه ماذا جلب لهم الإسلام، وليتعرّف الناس إلى الشخصيّات التي يمتلكها الإسلام.

*نزرٌ يسير من نور حكومته

لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام على رأس الحكومة في السنوات الأولى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وحتّى عندما آلت إدارة أمور الدولة إليه، أجّجوا في عهده نيران ثلاث حروب؛ ما سدّ أمامه باب إقامة الحكومة التي كان ينشدها، وهذا الأمر ينبغي أن يتحسّر عليه المسلمون للأبد.

فلو كانت مثل هذه الفرصة قد أُتيحت لأمير المؤمنين عليه السلام، لكانت حكومته الحكومة المثاليّة، ولكانت نموذجاً يُحتذى لكلّ الذين يتطلّعون إلى إقامة العدل وتطبيق إرادة السماء. لكنَّ ذلك لم يحدث، للأسف. أمّا النزر اليسير الذي تحقّق منه فما زال نوره يسطع في الأرض.

*حسرة العارفين والعلماء

الأمر الثاني الذي يبعث على الأسف هو أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يجد مجالاً لنقل العلوم والمعارف التي كان يختزنها في صدره "إنَّ ههنا عِلماً جمّاً"1 إلى أشخاص يحملونه من بعده.

وممَّا لا شكَّ فيه، أنَّ العلم الذي لم يجد له أشخاصاً جديرين بحمله، هو علم "أسرار الولاية"، و"أسرار التوحيد". ولا بدَّ أن يتأسَّف العلماء والعارفون لعدم توفّر الفرصة والمجال لأمير المؤمنين للبوح بتلك الأسرار التي كان لا بدَّ له من الكشف عنها. لكنَّ المجال لم يتح له. وهذا الأمر هو من الحسرات التي ينبغي للجميع، وبالأخصّ العارفين والفلاسفة والعلماء والمفكِّرين، أن يقضوا حياتهم بالتأسّف عليها.

*معنى التمسُّك بولاية أمير المؤمنين عليه السلام

فما هو التمسُّك بولاية أمير المؤمنين؟ هل يعني التمسُّك أن نُحبّ أمير المؤمنين فقط؟ إنَّ ذلك، أساساً، لا معنى له، بل إنَّ التمسُّك بمقام الولاية، في أحد معانيه، أن نكون نحن ظلّاً لمقام الولاية الذي يمثّل مقام التصدِّي لأمور المسلمين. ومنصب الحاكم عليهم، هو أنّه إذا تمَّ تشكيل حكومة ينبغي أن تكون حكومة متمسّكة بولاية أمير المؤمنين وتطبّق العدالة التي طبَّقها أمير المؤمنين، وبحسب استطاعتها.

لذلك إنَّ مجرَّد الادّعاء بأنّنا متمسِّكون بولاية أمير المؤمنين بالقول فقط لا يكفي. وأيّ حكومة تتّخذ من أمير المؤمنين قدوةً ونموذجاً لها في تنفيذ الحكم، يجب عليها أن تُطبِّق كلَّ الأحكام والقوانين التي طبّقها بحذافيرها. وفي حالة عدم اتّخاذه نموذجاً للحكم، أو حصول بعض المخالفات عن ذلك النموذج العظيم، فإنَّه حتى لو ادَّعى هذا الحاكم ونطق ألف مرة يوميّاً (جعلنا الله من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين) فهذا القول لا يعدو الكذب.

وينبغي لكلّ من يقرأ هذا الدعاء أن يلتفت إلى أنَّ التمسُّك بولاية أمير المؤمنين يعني اتّباع أهدافه والعمل على تحقيقها.

*رفع الظلم عن المسلم وغيره‏

يجب على الذين يدّعون أنّهم من شيعة أمير المؤمنين وأتباعه، أنْ يتَّبعوه بكلّ شي‏ء في القول والفعل والكتابة والكلام. ولا نكون قد قلنا جزافاً وكلاماً لا طائل منه.

عندما نطالع سيرة أمير المؤمنين خلال فترة حكمه - التي كانت قصيرة جدّاً وواجهت مشاكل وعقبات عديدة - سنرى أنّه عندما كتب عهده الهامّ إلى مالك الأشتر، ذكر كلّ هذه القضايا المهمّة، سواء السياسيّة منها والاجتماعيّة، حيث أورد فيه كلّ شي‏ء، رغم أنّه كان بمثابة وصايا أو رسالة لشخص واحد. ويُقال حسبما رُوي إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام قال في عهده لو أنَّ خلخالاً سُرق وانتُزع من قدم ذمّيَّةٍ أثناء حكومته، فإذا مات المرء أسفاً لذلك، لا لوم عليه. هؤلاء هم الشيعة وهكذا يكونون.

*خدمة المحرومين مظهر ولاية أمير المؤمنين عليه السلام

إنّنا إذ نصبو لأن نكون تجسيداً ولو ناقصاً لولاية الإمام عليّ عليه السلام في بلادنا، علينا الالتفات إلى أمرٍ هامّ وهو أن لا نكتفي بالتظاهر وإطلاق الشعارات، وذلك لا يكفي. فالحكومة التابعة لأمير المؤمنين مُطالبة بأن تحذو حذو الإمام عليّ عليه السلام الذي كان قلبه يتألَّم من أجل المحرومين، وأن تبذل غاية جهدها لنصرة المحرومين وإنقاذهم، كما يفعل الأب عندما يرى أطفاله جَوْعى، فهو يسعى بكل ما أُوتي من قوَّة لتوفير لقمة العيش لهم. وهكذا يجب أن تكون الحكومة التابعة لأمير المؤمنين. وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام إنّكم لا يمكنكم ذلك، وفعلاً لا يمكننا ذلك إلّا في إعانته بالورع والتقوى، "لا تقدون على ذلك، ولكن أعينوني بورعٍ واجتهادٍ وعفّةٍ وسداد"2، إعانة بالحدّ الذي نستطيع. فلدى كلّ واحد منّا قوّة معيَّنة إلى حدّ ما، يمكنه استغلالها للحفاظ على حياته، فإذا اجتمعت هذه القوى الصغيرة وتوحَّدت، فإنَّها ستتحوّل إلى قوّة كبرى ومقتدرة.


(*) من كلمة له قدس سره ألقاها بتاريخ 18 ذي الحجة 1403 هـ. ق‏، في طهران، حسينية جماران.
1- نهج البلاغة. كلمة (147).
2- م.ن. كتاب (45).

أضيف في: | عدد المشاهدات: