نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

في رحاب بقية الله: النظام التربوي في المجتمع المهدوي 3

غلام رضا صالحي

ذكرنا في الحلقات السابقة أن لكل نظام تربوي هدفاً تربوياً وغايةً يحدّدان جهة النظام ومساره. وقلنا إن وجهة النظام التربوي المهدوي هي وجهة إلهيّة ومعنويّة تضمن السعادة للبشريّة. ثم بدأنا في تصنيف هذه الأهداف التربوية والتي تقوم على أربعة أنواع أساسية كان أولها "وظائف الإنسان تجاه الله تعالى"، حيث نكمل الحديث في هذا العدد عن الأساس الثاني وهو "وظائف الإنسان تجاه نفسه".

*وظائف الإنسان تجاه نفسه
يضطلع الإنسان في هذا النظام التربوي بوظائف خطيرة تجاه نفسه، حيث يجب عليه أن يؤدي مجموعة من الوظائف في أبعاد متنوّعة من أبرزها: المعرفيّة، العاطفية، والسلوكية، والتي تشكّل الأهداف التربوية لعلاقة الإنسان مع نفسه. وهذه الأهداف عبارة عن:

أ - التفكير وكسب العلم والمعرفة:

ينبغي للأفراد في النظام التربوي الإسلامي والمهدوي بذل الجهد في سبيل الحصول على المعارف والعلوم الصحيحة التي يمكن بواسطتها تأمين السعادة الدنيوية والأخروية، ما يساهم في زيادة المخزون العقلي والمعرفي عندهم. وإذا كان الإنسان يمتاز بنعمة العقل وهي التي تميّزه عن كافة المخلوقات، فعليه عدم الغفلة عن هذه النعمة؛ فيعرف نفسه ويعرف خالقه ويعرف الهدف من خلق عالم الوجود. وعليه أن يسعى للحصول على العلوم الإلهية والعلوم المفيدة للبشر. وتمدح الآية الشريفة أهل العلم: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ (المجادلة: 11).

إن من جملة أهداف النظام التربوي الإسلامي وصول البشر إلى قمّة التكامل والتطوّر ومعرفة حقائق الوجود من خلال اكتساب العلم والتعقّل.

جاء عن الإمام الباقر عليه السلام: "إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت به أحلامهم"(1).

ب - اكتساب الإيمان والفضائل الأخلاقية:
من جملة الأهداف التربوية في هذا النظام، أن يعمل الإنسان لإكمال إيمانه واعتقاده وأخلاقه والتزيّن بالصفات الإلهية من خلال التهذيب فيصبح بحقٍ خليفة الله.
ومن خلال لطف الله سبحانه وتعالى، ففي النظام التربوي المهدوي تتفتّح الأخلاق الحسنة، ويتّجه الناس نحو الكمال وتزول العداوات والصفات الشيطانية والنفسانية من حياة الناس.

ج - تعديل الغرائز وتوجيهها:
من جملة الأهداف التربوية في النظام الإسلامي والمهدوي توجيه الغرائز والميول نحو الأهداف الإلهية، فيعمل الإنسان على توجيهها ومراقبتها والاستفادة منها بشكل صحيح من خلال الابتعاد عن الإفراط والتفريط فيها والاكتفاء منها بالحد المتعارف والمعقول. جاء في القرآن الكريم: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأعراف: 31).

يَعْتبر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أن التعادل وتعديل الغرائز من جملة الصفات الأساسية لأصحاب الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويقول: "بايَعوا على أربعين خصلة... لا يهتكوا حريماً محرماً، ولا يسبوا مسلماً، ولا يهجموا منزلاً، ولا يضربوا أحداً بغير الحق... ولا يتمنطقوا بالذهب، ولا يلبسوا الخزّ، ولا يلبسوا الحرير... ولا يأكلوا مال اليتيم... ولا يخونوا أمانة ولا يخلفوا العهد، ولا يحتسبوا طعاماً من برٍّ وشعير، ولا يقتلوا مستأمناً... ويرضون بالقليل..."(2).

د - الاهتمام بالبعدين الجسدي والروحي:
من جملة الصفات التي تميّز النظام التربوي الإسلامي والمهدوي عن غيره من الأنظمة التربوية، الاهتمام بالبعدين الجسدي والروحي حيث يسعى الإنسان لتربية الجسد والروح طبق أهداف واضحة ومحددة. وكما اهتم الإسلام بالبعد المعنوي والملكوتي، وطلب من الناس القيام ببعض الأعمال العبادية كالصلاة والصيام... كذلك اهتم بالبعد الجسدي الذي هو وسيلة التكامل الروحي والتقرّب إلى الله.

وفي هذا الأمر يختلف الإسلام عن المذاهب التربوية الأخرى التي أعطت الأصالة للبعد الجسدي وغرقت في تأمين الغرائز الطبيعية وتغافلت عن الأهداف الإنسانية المتعالية. جاء في القرآن الكريم:﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ (محمد: 12).

في النظام التربوي المهدوي يجري الاهتمام بالبعدين المادي والمعنوي، ويسعى الإنسان فيه لتأمين احتياجاته الروحية والملكوتية وتأمين الأرضية اللازمة للتطور الأخلاقي والمعنوي، وكذلك يعمل على تأمين احتياجاته الفيزيولوجية ويهيئ الأرضية للنمو البدني والصحة النفسية والجسدية. عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "يتنعّم أمّتي في زمن المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف نعمة لم يتنعّموا قبلها قط..."(3).


1- الوافي، الكاشاني، ج1، ص114.
2- حياة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، باقر شريف القرشي، ص290.
3- بحار الأنوار، المجلسي، ج2، ص470.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع