نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع الإمام الخامنئي: الحجّ: عبادةٌ توحّد القلوب(*)


يُشكّل الحجّ إحدى نقاط القوّة في الدين الإسلامي المقدّس؛ فعلى الرغم من أنّ نقاط القوّة في الشريعة الإسلاميّة ليست قليلة، إلّا أنّ الحجّ وبسبب الخصائص الموجودة والمعروفة فيه له ميزة واضحة وبارزة؛ وهي أنه "مصدر قوّة للأمّة الإسلاميّة".

*أمّة واحدة
عندما نُوفّق، نحن المسلمين، في البلدان المختلفة، وعلى مختلف المذاهب في الاستفادة من الحج لتقوية الأمة، وعندما نُحقّق هذا البلوغ الفكري، الذي هو تشكيل "الأمّة الإسلاميّة" واقعاً -وبالمعنى الحقيقيّ للكلمة- سندرك كيف يكون الحجّ مصدر قوّة واستحكام ورفعة واحترام لهذه الأمّة. ولكن للأسف، لم نُوفّق نحن المسلمين لهذا الأمر إلى الآن، ولم نصل إلى مرحلة البلوغ السياسي والفكري والأخلاقي، ونتمكّن نحن، جماعة المسلمين، من أقصى شرق العالم الإسلاميّ إلى أقصى غربه أن نكون أمّة واحدة، ولو بدول مختلفة.

*الحج قوة للأمّة
علينا أن ننظر بهذه النظرة إلى الحجّ، وأنّه وسيلة قوّة؛ ولكن أيّ نوع من القوّة؟ هل مقصودنا من القوّة هو ما يشبه القوّة المادّيّة والسياسيّة والعسكريّة؟ لا، إنّها أعلى من ذلك بكثير. إنها القوّة المعنوية. إن الحجّ يبني البشر من الداخل، يجعلهم مستعدّين لتجاوز الموانع الصعبة، يفتح أعينهم على حقائق، لا يمكن رؤيتها وتحسّسها إلاّ من خلال الحضور في ميادين الحجّ؛ هناك يُدرك الإنسان بعض الحقائق المعنويّة والتربويّة للإسلام. الحجّ شيء من هذا القبيل.

أحد لوازم الحجّ بالمعنى الصحيح للكلمة، هو أنّ يتعاطى الحجّاج في ميدان الحجّ وميدان هذه الفريضة الإسلاميّة الكبرى مع بعضهم بعضاً بأخوّة بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معنى؛ ينظرون إلى بعضهم بعضاً نظرة أخويّة، نظرة أشخاص يسيرون نحو هدف واحد؛ يبحثون عن أمر واحد؛ يدورون حول محور واحد.

*آراء منحرفة
قال تعالى: ﴿وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ (البقرة: 197). ليس المراد من "لا جدال" الجدال مع الأعداء؛ فالحجّ أساساً هو مظهر للجدال مع الأعداء.

بعض أصحاب الآراء المنحرفة وسيّئي النفوس أرادوا تفسير الآية ﴿وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ؛ بالقول: لماذا تقيمون مراسم البراءة في الحجّ؟ إنها جدال، وقد نهى الله عنه. كلا، هذا الجدال الموجود في مراسم البراءة هو جدال مع الشرك، مع الكفر؛ هذا أحد أهمّ معالم الحياة الإسلاميّة.
أما الجدال الذي ينبغي أن لا يكون في الحجّ فهو جدال المؤمنين بعضهم مع بعض، جدال القلوب المعتقدة بالتوحيد بعضها مع بعض؛ وهذا النوع من الجدال لا ينبغي أن يكون.

علينا أن نعمل، ليس فقط، على التخلّص من الجدال اللساني، بل أيضاً من النفور القلبي؛ وهذا، على عكس ما يحاول أعداء الإسلام اليوم إيجاده في المجتمع الإسلاميّ؛ عليكم أن لا تغفلوا عنه.

*لا مشكلة في الاختلاف
إن اختلاف المذاهب الإسلاميّة، وفي حدود الاختلاف العقائديّ، لا مشكلة فيه؛ وإنما تحصل المشكلة عندما يؤدّي هذا الاختلاف العقائديّ إلى الاختلاف الروحي، والاختلاف الفكري، وإلى المنازعة، وإلى الخصومة، وإلى العداوة؛ وهذا ما يسعى أعداء العالم الإسلاميّ وراءه.

لقد أدركوا جيّداً أنّه إذا ما بدأت المذاهب الإسلاميّة في العالم الإسلاميّ بمنازعة بعضها بعضاً، فسوف يتنفّس النظام الصهيوني الغاصب الصعداء. لذا، فهم من ناحية، يطلقون المجموعات التكفيريّة التي لا تكفّر الشّيعة فقط، بل تكفّر الكثير من أهل السنّة أيضاً؛ ومن ناحية أخرى، زرعوا جماعة من العملاء المأجورين لصبّ الزيت على هذه النار.

*الوحدة أولاً
لقد أكّد مراجع الدين - الإمام العظيم وآخرون، وخاصّة بعد انتصار الثورة الإسلاميّة - كثيراً على الوحدة الإسلاميّة، وأخوّة المسلمين فيما بينهم. في ذلك الوقت سعى بعض الملكيّين أكثر من الملك إلى إيقاد نار الفتنة، وإيجاد النزاعات وبثّ الاختلافات. هذا هو الشيء نفسه الذي يريده أعداء العالم الإسلاميّ ويسعون وراءه. علينا فهم هذه الأمور جيداً، وعلينا الالتفات إليها.

*تبادل الثقافة والتجارب
المسألة الأساسيّة الأخرى والتي تشكّل نقطة من نقاط القوّة في الحجّ، هي تبادل الثقافة الإسلاميّة الأصيلة بين المسلمين، وتبادل التجارب الإسلاميّة فيما بينهم. قد نكون سمعنا أموراً عن البلد الإسلاميّ الفلاني، لكن هناك فرق بين السمع وبين أن يجلس الإنسان مع أهل ذلك البلد، ويسمع منهم مباشرةً.

إنّ حضوركم في الحجّ، في هذا الميدان العالمي، يُتيح لكم الفرصة لنقل الحقائق؛ ليس فقط باللسان، بل باللسان والعمل. انقلوا حقائق الإسلام، تكلّموا عن حقائق الشّيعة، تكلّموا عن حقائق الثورة الإسلاميّة، تكلّموا عن الأحداث التي تدور اليوم في العالم.

*تعزيز المعنويّات
نقطة أخرى أساسيّة ومهمّة في الحج، هي تعزيز المعنويّات في وجودنا. نحن يمكننا المقاومة في ميادين الجهاد في سبيل الله، عندما تكون قلوبنا مفعمة بالإيمان بالله، والتوكّل عليه تعالى؛ فمع التوكّل على الله نشعر بالقوّة الحقيقيّة. التوكّل مهم، الإيمان مهم، وحسن الظنّ بالوعد الإلهي مهمّ أيضاً؛ هذه كلّها تتوفّر في الحجّ. هذه المنافع ليست منافع ماديّة فحسب، بل هي منافع دنيويّة، ومنافع أخرويّة، ومنافع معنويّة، ومنافع روحيّة. هذا هو الحجّ.


(*) كلمة للإمام الخامنئي (دام ظلّه) في لقاء المسؤولين في بعثة الحج في 4/11/1434هـ.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع