نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تسابيح شهادة: كفالة بالدم

هدى رحمة

قبل اليوم، كأنما كانت ثلاثة أشخاص يعيشون في جسد واحد، وقلبين ينبضان تحت نبض قلب، وروحين متصلتين بروح، والأنفاس ذاتها يتنفسها الثلاثة، والغذاء نفسه يصل إليهم.

*تنتظر... تتعب... وتبتسم
قبل اليوم، ومنذ معرفة الأم أنها حامل، على الرغم من إحساسها بالحمل قبل علمها به، شعورٌ لذيذ بدأ يرافقها في رحلة الحمل؛ هو إحساس بالنشوة، والانتصار، هو بعضٌ من الأمومة.. هو شعورٌ معجز. وتمرّ الأيّام والأسابيع والشهور ثقيلة على الأم. هو ثقلٌ جميلٌ ومرغوب، هو التعب الأحب على قلب الأم.
تسعة أشهر تعاني فيها زهراء ما تعانيه من تعب وأوجاع وعناء يضني جسدها، أما ثغرها فيحمل نفس الابتسامة، ابتسامة الأم المنتظِرة حركةً صغيرةً من جنينيها تنسيها تعب اليوم وأوجاعه.

ومَنْ يرافق الأم هذه الرحلة؟ حبيبها وشريك عمرها، زوجها وأب مولودَيْها المنتظرَين، هو أكثر من سيشعر بتعبها، وهو الأقدر على مواساتها.

*آمال وأحلام لطفل منتظر
منذ علمت زهراء أنها حامل طار قلب مصطفى فرحاً، فهو المُتَيَّم بالأطفال، وهو الذي انتظر هذا الخبر بشوق حارق، فقد مضى على زواجهما ثلاث سنوات. أما هي، فكان فرحها الأول لفرحه، ثم لها. وصارا يرسمان آمالهما وأحلامهما الموعودة بالطفل المنتظَر. وحتى فرحهما تضاعف حين علما بعد نحو شهرين من الحمل أنها حامل بتوأمين، وصارا يتشاركان المخططات للفرحة الكبرى، أو الفرحتين، وتوَقُّع جنسيهما، واقتراح الأسماء المفضلة لكل منهما. وكلٌ منهما ظنّ أن أحد التوأمين سيكون ذكراً، والآخر أنثى. رغِب مصطفى أن يكون الذكر "علي" والأنثى "حوراء"، لكن زهراء، فضّلت أن يكون الاسم "زينب"، فهذا الاسم تحبه أكثر. قال لها إذاً "علي" و"زينب"، إن كانا ذكراً وأنثى، فما يرضيها يرضيه.

*في العيد القادم ستصبح أماً
منذ علما بالحمل، وأنهما توأمان، كلما مرا من جنب محل لبيع شوكولا المناسبات ينظران بلهفة إلى الأصناف المعروضة في الواجهات، ويختاران نوع الشوكولا والزينة التي تليق بثمرتَي حبهما. وعدها بأنه سيحتفل لها بعيد الأم القادم، ففي العيد القادم ستكون قد أصبحت أماً لطفلين، لطفليه. أما هي، فكانت تتخيل كم أنه سيهتم بها حين تلد، وكم سيحب طفليهما المنتظرين ويحنو عليهما. كان يقول لها: حين تلدين سأصير أشتاق لك وللولدين حين وجودي في العمل.

*شهيد حُرمة المقام
وبعد نحو شهرين من الحمل، ناداه الواجب الجهادي. هو مضطر هذه المرة لأن يغيب عن المنزل خمسة عشر يوماً، في فترة معارك "القصير" العنيفة. ودّعها صباح اليوم الرابع والعشرين من أيار، وانطلق إلى "القصير". هاتَفَها ظهراً حين وصوله، ومساءً. في اليوم التالي، في منتصف شهر رجب الأصب، وفي ذكرى عيد المقاومة والتحرير، يستشهد "مصطفى"، ليكون دمه ودم شهداء "القصير" وجراح الجرحى باباً فَتَحَ "القصير"، وحارساً لعتبة مقام السيدة زينب عليها السلام ، وسياجاً لحرمة الأرض والعرض.

أما "زهراء"، فتُكمل رحلة الحمل دون ابتسامة "مصطفى"، دون فرط اهتمامه ومواساته لتعبها. شَيَّعته مع طفليهما قبل أن يبصرا نور الدنيا. ودّعاه قبل أن يستقبلاه، أو يستقبلهما، قبل أن يحملهما ويناغيهما، قبل أن تبصر "زهراء" فرحته بهما. لن يقطف معها ثمرتَي زواجهما. وبعد أن تعلم "زهراء" أنهما فتاتان، وعند ضريح "مصطفى" أبلغته أنهما ليستا كما توقعا.

*وحبّ الحسين أجنّني
وفي العاشر من شهر كانون الأول أبصرت ابنتا "مصطفى" النور. يومها لم ينتظرها خارج غرفة الولادة كما تخيّلت "زهراء"، لكنه كان يدعو لها من عليائه. ولم يحمل "زينب" و"حوراء" بين ذراعيه، لكنه حلّق بهما في جنانه، وهما يتيمتا الشهيد "مصطفى صالح" أو "أبو الفضل" الذي كفِلهما بدمه من قبل أن يولدا. كيف لا وأبوهما أجَنَّه حبُّ الحسين عليه السلام، وخط لزوجته زهراء هذه السطور:
"حبّك أنت أسكرني
ولكن حبّ الحسين أجنّني
ولولا جنوني بحبّه
ما غبت عنك
عقيدة دمي حسينيّة
لذا، اخترتك يا عاشقة الحسين

أيتها الفاطميّة
فالشهادة هدفي للقاء الباري
بصفاء النفس المطمئنة
ومن أجلك أنت يا حوريتي الأرضية
سأطلب من الله حين دخولي مع إمامي
أن يُدخل حوريّتي في الجنان بجوار العترة الأطهار
حين شهادتي زفيني بعزٍ وافتخار
وقولي: حبيبي في الجنة لا في النار
وحب الحسين أجنَّني...".


لم تكن مجرد كلمات، فقد خطّ حبّه للحسين عليه السلام بدماء وريده، وأصبحت مدداً لدرب الأحرار ما بقي مشعل الحسين عليه السلام مضيئاً. وستكبر حوراء وزينب وعلى جبينهما "أهل الجنة يتعارفون في الجنة... وإنْ فَرَّقَتْهمُ الدنيا".
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع