الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص مجتمع | "الأمّ بتلمّ" مناسبة | من رُزق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حُبّها أذكار | شهر رمضان المبارك آخر الكلام | الأوراق المغلّفة

قبسات من حياة الإمام السجاد عليه السلام

* علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام:
هو رابع أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام المشهور بزين العابدين أو سيدهم، والسجاد وذي الثفنات.
ولد في المدينة سنة 38 أو 37هـ وتوفي فيها عام 95 أو 94هـ يوم السبت الثاني عشر من محرم.
ولما توفي دفن في البقيع في جنب عمه الحسن عليه السلام في القبة التي فيها قبر العباس عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن أراد الاطلاع على مناقبه وكراماته وفضائله فعليه طلب ذلك في الموسوعات المتعددة التي تعرضت لذلك بالشرح والتفصيل في شتى المجالات كالعلم والحلم والجرأة والإقدام وثبات الجنان وشدة الكرم والسخاء والورع والزهد والتقوى بين الناس ومحبتهم له وتربيته لجيل عظيم من الصحابة والعلماء أوقفوا حياتهم في خدمة الإسلام.
وسنكتفي هنا بجانب من سيرته عليه السلام تتعلق بجملة محددة من الأمور:

* هيبته ومنزلته العظيمة
لقد كان عليه السلام مهاباً جليلاً بين الناس بشكل كبير حتى أن هذه المنزلة العظيمة جعلت الأمراء والحكام يحسدونه عليها والتاريخ يذكر لنا على ذلك شواهد كثيرة ومتعددة. ومن ذلك لما حج هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة اجتهد أن يستلم الحجر الأسود فلم يمكنه ذلك وجاء علي بن الحسين عليه السلام فتوقف له الناس وتنحوا فقال جماعة لهشام من هذا؟ فقال لا أعرفه مع أنه كان يعرفه أنه علي بن الحسين عليهما السلام فسمعه الفرزدق فقال: لكني أعرفه هذا علي بن الحسين زين العابدين وأنشد قصيدته المشهورة:

والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته


إلى آخر القصيدة وقد ثقل ذلك على هشام فأمر بحبسه فأخرجه الإمام زين العابدين عليه الصلاة والسلام.

* زهده وعبادته ومواساته للفقراء
أما زهده وعبادته ومواساته للفقراء وخوفه من اللَّه فغني عن البيان فقد روي عنه عليه السلام إنه إذا توضأ اصفر لونه فقال: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ قال: "أتدرون بين يدي من أريد أن أقف " وكلماته عليه السلام "إن قوماً عبدوا اللَّه رياضة فتلك عبادة العبيد وإن قوماً عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار وإن قوماً عبدوه شكراً فتلك عبادة الأحرار ".

وكان إذا أتاه سائل يقول له: "مرحباً بمن يحمل زادي إلى الآخرة " وكان عليه السلام كثير الصدقات حريصاً عليها وكان يوصل صدقاته ليلاً دون أن يعلم أحد به وقد رُوي أنه عليه السلام كان يعول مائة عائلة من أهالي المدينة لا يدرون من يأتيهم بالصدقات ولما توفي عليه السلام أدركوا ذلك.

وفي رواية كان أهل المدينة يقولون: "ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين عليه السلام ".
وكان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة فإذا أصبح سقط مغشياً عليه وكانت الريح تميله كالسنبلة.

* الثروة العلمية للإمام
أما الثورة العلمية والعرفانية فهي أدعيته التي رواها المحدثون والتي جمعت بما سمي بالصحيفة السجادية المنتشرة في العالم فهي زبور آل محمد هذه الصحيفة بفصاحة ألفاظها وبلاغة معانيها وعلو مضامينها وما فيها من أنواع التذلل للَّه تعالى والثناء عليه والأساليب العجيبة في طلب عفوه وكرمه والتوسل إليه والتي تتضمن واحداً وستين دعاء في أصناف الخير وأنواع السؤال من اللَّه سبحانه والتي تعلم الإنسان كيف يلجأ إلى ربه في الشدائد والمهمات وكيف يطلب منه حوائجه وكيف يتذلل ويتواضع له.


وكانت أدعيته عليه السلام أسلوباً في إيصال الفكر والمفاهيم الإسلامية الأصيلة إلى القلوب الظمأى والأفئدة التي تهوى إليها ولترتزق من ثمراتها وتنهل من معينها. فكانت بحق عملية تربوية أسس بناءها الإمام السجاد عليه السلام.

كان قيام الإمام زين العابدين عليه الصلاة والسلام في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية اللَّه عزوجل
وإن للإمام علي زين العابدين عليه السلام رسالة معروفة باسم رسالة الحقوق وهي من الرسائل الجليلة في أنواع الحقوق يذكر فيها الإمام حقوق اللَّه سبحانه وحقوق نفسه عليه وحقوق أعضائه ثم يذكر حقوق الأفعال والتي تبلغ خمسين حقاً آخرها حق الذمة.

يقول الإمام الباقر عليه السلام:
"كان علي بن الحسين عليه السلام يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة كما يفعل أمير المؤمنين عليه السلام كانت له خمسمائة نخلة، فكان يصلي عند كل نخلة ركعتين وكان إذا قام في صلاته غشي لونه لون آخر، وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل كانت أعضاؤه ترتعد من خشية اللَّه عز وجل وكان يصلي صلاة مودع يرى أنه لا يصلي بعدها أبداً، ولقد صلى ذات يوم فسقط الرداء عن أحد منكبيه فلم يسوِّه حتى فرغ من صلاته: فسأله بعض أصحابه عن ذلك فقال: ويحك أتدري بين يدي من كنت؟ إن العبد لا تقبل من صلاته إلا ما أقبل عليه منها بقلبه، فقال الرجل: هلكنا. فقال: كلا.

إن اللَّه عز وجل متمِّم ذلك بالنوافل. وكان عليه السلام ليخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر من الدنانير والدراهم وربما حمل على ظهره الطعام أو الحطب حتى يأتي باباً باباً فيقرعه ثم يناول من يخرج إليه وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه فلما توفي عليه السلام فقدوا ذلك فعلموا إنه كان علياً بن الحسين عليه السلام ولما وضع عليه السلام على المغتسل نظروا إلى ظهره وعليه مثل ركب الإبل مما كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء والمساكين ولقد خرج ذات يوم وعليه مطرف خز فتعرض له سائل فتعلق بالمطرف فمضى وتركه، وكان يشتري الخز في الشتاء إذا جاء الصيف باعه وتصدق بثمنه، ولقد نظر عليه السلام يوم عرفة إلى قوم يسألون الناس فقال: ويحكم أغير اللَّه تسألون في مثل هذا اليوم أنه ليرجى في هذا اليوم لما في بطون الحبالى أن يكون سعيداً، ولقد كان عليه السلام يأبى أن يواكل أمه فقيل له: يا ابن رسول اللَّه أنت أبر الناس وأوصلهم للرحم فكيف لا تواكل أمك؟ فقال: إني أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليه، وقال له رجل: "يا بن رسول اللَّه إني لأحبك في اللَّه حباً شديداً. فقال: اللهم إني أعوذ بك أن أحب فيك وأنت لي مبغض" ولقد حج على ناقة له عشرين حجة فما قرعها بسوط فلما نفقت أمر بدفنها لئلا يأكلها السباع ولقد سئلت عنه مولاة له فقالت: أأطنب أو اختصر؟، فقيل لها: بل اختصري فقالت: ما أتيته بطعام نهاراً قط، وما فرشت له فراشاً بليل قط، ولقد انتهى ذات يوم إلى قوم يغتابونه فوقف عليهم فقال لهم، إن كنتم صادقين فغفر اللَّه لي وإن كنتم كاذبين فغفر اللَّه لكم،

وكان عليه السلام إذا جاءه طالب علم فقال: مرحباً بوصية رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ثم يقول: إن طالب العلم إذا خرج من منزله لم يضع رجليه على رطب ولا يابس من الأرض إلا سبحت له الأرضون السبعة، ولقد كان يعول مائة أهل بيت من فقراء المدينة وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والأضرار والزمني والمساكين الذين لا حيلة لهم وكان يناولهم بيده ومن كان منهم عيالاً حمل له إلى عياله من طعامه وكان لا يأكل طعاماً حتى يبدأ فيتصدق بمثله وقد تسقط منه كل سنة سبع ثفنات من مواضع سجوده لكثرة صلاته وكان يجمعها فلما مات دفنت معه، ولقد بكى على أبيه الحسين عليه السلام عشرين سنة وما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له يا ابن رسول اللَّه أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال له: ويحك أن يعقوب النبي عليه السلام كان له اثنا عشر ابناً فغيب اللَّه عنه واحداً منهم فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه وشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغم، وكان ابنه حياً في الدنيا وأنا نظرت إلى أجساد أبي وأخي وعمي وسبعة عشرة من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني!؟

وقع حريق في بيت كان فيه زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام، وهو في صلاته، فجعلوا يقولون:
يا ابن رسول اللَّه النار، النار، فما رفع رأسه من سجوده حتى أطفئت. فقال له بعض خواصه: ما الذي ألهاك عن النار؟
فقال: نار الآخرة.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع