نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تفسير سورة الحمد


في العدد الماضي ذكرت في بداية الموضوع بصورة موجزة ثلاث نقاط أساسية وقلت اشتباهاً.. هذه أربع مشتملات يتم بها للعبد عقد السلوك وباعتبار التي غفلت عن إيراد النقطة الرابعة فقد اقتضى الأمر هذه الملاحظة، والنقطة الرابعة هي: غاية السالك، والتي هي لقاء اللَّه سبحانه ومشاهدته.


* الحلقة الثالثة: مراتب الذكر
"لكل شي أساس وأساس القرآن الفاتحة، وأساس الفاتحة بسم اللَّه الرحمن الرحيم" هذا الحديث الشريف نقلاه في الحلقة الماضية واستفدنا منه بمقدار، ولكن باعتبار أن كلام اللَّه سبحانه ميسّر للأنام بحسب مراتب قلوب البشر، فإن جوانب أخرى سوف يبقى لها مجال في الكلام،

 قال اللَّه جل وعز: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر والمذكر هو لمتعظ الراغب في الاستفادة والإصلاح، وليس هو غير الفاتح للذكر قلبه قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ، وأصحاب القلوب على مراتب، أما أولئك الذين أعرضت قلوبهم عن الذكر فإنهم في بيداء الضلالة، ولاحظ لهم في تيسير الذكر.

وقد روي عن باقر العلوم عليه السلام "جعل القرآن على أربعة أشياء، على العبارة والإشارة واللطائف والحقائق، فالعبارة للعوام والإشارة للخواص واللطائف للأولياء والحقائق للأنبياء.
وفي هذه السورة "الحمد" كما في غيرها جميع مراتب الذكر موجودة، ومن الممكن الاستفادة منها بأكثر من جهة.

وليس المفسر لكتاب اللَّه إلا المفسر بحسب طهوريته قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴿فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ  لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، فمرة يكون المفسر من أهل البيت الأطهار، وهؤلاء هم أهل الذكر، وكلما كان المرء طاهراً كان بحسب ذلك من أهل الذكر، إلا أن أهل الذكر هم أهل بيت الطهارة عليهم السلام بالأصالة، أما غيرهم فبالتبع، ومما في الحديث الشريف: "مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى، وعلى هذا تراتب أهل الذكر بحسب تراتب طهارة قلوبهم، وبحسب هذا كان للذكر مراتب.

* مراتب الوجود
لقد اشتملت السورة المباركة "الحمد" على جميع مراتب الوجود، وكذلك الأمر بالنسبة لأية البسملة.
وكما يفهم من كلام الإمام العارف الخميني قدس سره  فإن اسم اللَّه في آية البسملة إشارة إلى دائرة الوجود بتمامها فهو مقام الأحدية، أحدية القبض والبسط أي منح الوجود وبسطه، وإرجاع الوجود وقبضه،

قال تعالى:﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ فيها خلقناكم ومنها نعيدكم تارة أخرى.

والرحمن: مقام خلق الخلائق إذ أن الوجود وجد برحمته الرحمانية.
والرحيم: مقام جذب الوجود ومعاده إليه جل تعالى.

فمقامات الوجود ثلاثة: مقام أحدية القبض والبسط، مقام البسط، ومقام القبض، وهما قوساً للنزول والصعود اللذين ذُكرا في آية البسملة.
الحمد للَّه: إشارة إلى مقام المحامد وحقائقها المطلقة، وكذلك إشارة إلى جميع المنائح والمنن التي هي ليست إلا مننه ومنائحه سبحانه تعالى.

رب العالمين: إشارة إلى جميع الوجود المربوب، والمغاير للوجود الإلهي، وليس من وجود خارج هذا المقام.
مالك يوم الدين: إشارة إلى الحياة الأخروية ويوم الرجوع إلى اللَّه سبحانه، وإغلاق دائرة الوجود بتمامها، وهو مقام التويحد بالقهر الملكي، حيث لا خيار للإنسان عن معاده، ورجوعه إلى الواحد القهار.

* مراتب السلوك
كما أن هذه السورة المباركة قد اشتملت على مراتب الوجود، كذلك فهي مشتملة على مراتب السلوك، وهو ما يراه الإمام الخميني قدس سره.
بداية السفر إنما تبدأ من الخروج من بيت النفس وحبها الاشتغال بها ولا، وهذه هي حقيقة الاستعاذة من الشيطان الرحيم.
والتسمية باسم اللَّه هي مرتبة بلوغ الحقانية، والحقائق بد ترك الزخارف، وبلوغ الوحدة بعد ترك الكثرة، وهذه هي مرتبة التوحيد الفعلي.

والحمد للَّه: مقام سير الموحدين، ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ حيث لا إله إلا هو، فسير السالك باسم اللَّه بمحامده كلها، متكلاً عليه، متخلصاً من وسوسات إبليس وتسويلات نفسه، سعياً إلى لقائه والتلذذ برؤيته.
وفي مالك يوم الدين السفر، ويصل السالك إلى مراده، وهو وجه اللَّه تبارك وتعالى.

ومن ناحية أخرى فإن سورة الحمد مشتملة على جميع مقاصد الصحيفة الإلهية القرآن الكريم، والتي هي معارف التوحيد وكل مقدماته، وعليه فإن السورة تشتمل على مراتب الوجود، ومراتب السلوك، ومعارف القرآن، وبذلك هي أساس القرآن الكريم.

باسم اللَّه: بعض أهل المعرفة قالوا بأن باسم اللَّه متعلقة بظهر الوجود، أي ظهر الوجود باسم للَّه، ويقول الإمام الخميني قدس سره الاسم عبارة عن نفس التجلي الفعلي ويستشهد ببعض ما ورد عن أهل بيت العصمة عليهم السلام من قبيل "نحن أسماء اللَّه الحسنى" وفي دعاء السمات "وباسمك الذي تجليت به على خليلك إبراهيم في مسجد الخيف".
إن آدم عليه السلام إنما تميز عن الملائكة بتعلمه الأسماء قال تعالى: وعلم آدم الأسماء كلها، وكل الوجود أسماء اللَّه، والإنسان يستطيع أن يكون مظهراً لأسماء اللَّه، ويصبح من آيات اللَّه الكبرى، وذلك بالارتياض بحيث يكون وجوده وجوداً ربانياً، ويكون المتصرف في نفسه وبدنه يدي الجمال والجلال الإلهي.

وفي الحديث الصحيح "لا يزال يتقرب إليّ عبدي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببه كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها".

إن معنى باسم اللَّه أي أن يسم العبد والذاكر نفسه بسمة العبودية، وبمقدار قوة العزم وهمة السعي، تنمحي بالاستمرار والتدريج ظلمات النفس من عجب ورياء وحب ورؤية لها، وتظهر بدلاً مها سمات الربوبية، وليس تكرا التسمية إلا لتذكير النفس بتحصيل حقيقتها، وإلا انقلبت على غفلة واعتزاز..

وإذا أراد العبد أن يسم نفسه بسمة العبودية حقيقة فلا بد له من العمل بحول اللَّه ليحقق نفسه بحقيقة الرحمة ومن نماذج ذلك ظهور محبة الناس في قلبه والتلطف بهم والجهاد دفاعاً عنهم والخدمة بين يديهم والأمر بالمعروف للإصلاح بينهم وترك منازعتهم.

بالنسبة تكملة أية البسملة "الرحمن الرحيم" فقد اعرضنا عها لسببين، الأول لأننا أشرنا لهما، والثاني لأن المجال لا يتسع للتوسع.

الحمد للَّه:على حسب أصحاب القلوب العرفانية الفانية فجميع النعم والكمالات، وكل جمال وجلال إنما هو ظهور وتجلي إلهي ذاتي أي أن كل جمال وجلال وكل كمال فهو له ومنه وكل المدائح والمنائح مرتبطة بذات الحق تعالى، وإن الحمد والمدح إنما هو من نفسه لنفسه، أي أن جميع المحامد هي باسم اللَّه، وهي هي علاقة الحمد ببسم اللَّه الرحمن الرحيم وإذا كان كل جمال وكمال ونعمة من اللَّه وتجلي لجماله وكماله فكذلك حمد الحامدين وثناء المثنين هو من اللَّه أيضاً وتجلي لجماله وكماله، وهذا هو النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على مقامه الأشمخ والأشرف، فإنه يعترف بالعجز ويقول: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك".
كل مديح ناقص يكون المديح فيه منه تعالى منة إضافية، أما النقص في المدح فهو منا وكما قال الإمام السجاد عليه السلام: "اللهم كلما قلت لك الحمد وجب علي لذلك أن أقول لك الحمد".

* رب العالمين
الوجود وكذلك الإنسان هو واقع تحت التأثير الربوبي للحق جل وعلا، ليس من جهة من الجهات بل من جميع الجهات التكوينية الحيوانية الجسمانية، والتربية الروحانية، وكل منهما يشهد تحت هذا التأثير بأن اللَّه ربي وفي الحقيقة وباعتبار إن اللَّه قد أعطى لكل نفس هداها وكل الوجود واقع تحت هذا التأثير فإن جميع المخلوقات مجتمعة مع الإنسان على المستوى التكويني الجسماني والروحي الفطري. ويختلف الإنسان عن بقية الخلائق بالتشريع، ولذلك له حظ من الربوبية التشريعية، وهي تربية مختصة بالنوع الإنساني وليس لسائر المخلوقات والموجودات فيها نصيب.

يقول الإمام الخميني قدس سره: لو أن الإنسان أصبح بالاختيار تحت تربية رب العالمين وتصرفه، وخضعت كل أعضائه وقواه الظاهرية والباطنية لهذه التربية، مبعداً أي تصرفات نفسانية، فإن تصرفات الإنسان تصبح إلهية وربوبية توصله إلى الكمال الإنساني المختص بنوعه.

وهذه الحركة نحو الكمال هي في الأصل حركة جوهرية نحو الكمال، سواء الحيوانية والجسمانية منها أو الروحانية والنفسانية، أي أن كل إنسان سائر بهذه الحركة الجوهرية نحو الكمال طالما لم يجعل للنفس والشيطان ربوبية إلى جانب الربوبية الإلهية، الحجب والعقبات هي التي تحرف هذه الحركة عن صراطها المستقيم.

سنترك متابعة التفسير لضيق المجال على أمل أن نكمل الموضوع في الحلقة الرابعة والأخيرة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع