نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الانتظار ودوره في بناء الإنسان‏


كان موضوع الغيبة والانتظار محوراً رئيسياً للكثير من الأبحاث العقائدية والفكرية العامة. وتناولته الألسن والأقلام بالتمحيص والتدقيق من الوجهة المقارنة، ولكن، أن يكون محوراً للقضايا الأخلاقية والنفسية فهذا أمر جديد قلما ورد في كتابات الباحثين.
في هذه المقالة سوف نتعرض لموضوع الانتظار ودوره في تهذيب النفس وبناء البعد الأصيل في وجود الإنسان. وهو من آثار حكمة الأولياء ونور مشكاة النبوة وما أفاضة الله علنيا من معدن النبوة وما أفاضه الله علينا من معدن العترة الشريفة الذين لولاهم لما فهمنا وعرفنا منه شيئاً.
فمنها ما ورد في أصول الكافي للكليني (ج‏1 ص 392) عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:"
أقرب ما يكون العباد من الله جل ذكره وأرضى ما يكون عنهم... إذا افتقدوا حجة الله عز وجل ولم يظهر لهم ولم يعلموا مكانه وهم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجة الله جل ذكره ولا ميثاقه".


القرب من الله هو غاية سير السالكين وأعلى الدرجات المعنوية. فلو أردنا أن نختصر كل مدرسة الإسلام في تعاليمه يمكننا أن نعبر عنها بالقرب من الله، وهذه الرواية الشريفة تدلنا على المنهج الأقوم في الوصول إلى هذه الغاية، بقوله عليه السلام: "أقرب ما يكون..." أي أنه لا يوجد شي‏ء أو عمل أو اعتقاد يقرب إلى الله أكثر من هذه الحالة التي يعيشها الإنسان في غيبة ولي الله وحجته عجل الله فرجه الشريف إذا بقي على الاعتقاد الصحيح ويستفاد من هذه الرواية أمور منها:

1- الافتقاد
وهو الشعور بفقدان حجة الله، الذي يصاحب عادةً بالحزن واللوعة والانتظار. كل هذا يمثل حالة مشاكلة للإمام لأنه القدوة الحقيقية والباب الذي منه يؤتى.
فلا شك أن حالة الافتقاد الدائم تنطلق من الشعور الإيماني الصادق بأن المفتقد هو حياة المفتقِد والمنتظِر. ولولا ذلك لما كان الانتظار يمثل هذه القيمة العظيمة.

2- تقوية الإيمان بالغيب

قوله عليه السلام: "... ولم يظهر لهم ولم يعلموا مكانه..." إشارة إلى أن الأيمان هنا إيمان خالص لا دخل للحس فيه حيث يحمل المؤمن في قلبه يقيناً بحضور الإمام المعصوم. هذا مع علمه بأنه غير ظاهر ولا يرى. وإذا تأملنا في حقيقة الإيمان وجوهره لوجدناه مرتبطاً أشد الارتباط بالغيب. فالاعتقاد بحضور الإمام مع عدم رؤيته تمرين على الإيمان الحقيقي من جهة، ونتيجة صادقة للإيمان المذكور من جانب آخر.

3- الثقة بالله

فقد ورد في الروايات الشريفة "إنه ما عبد الله تعالى بأفضل من حسن الظن به...". ومن هنا نعلم كيف يكون الإمام باباً إلى الله ومنهاجاً أقوماً في السير إليه.
حقاً، إن هذا الموضوع لم يطرق في مجاله كما هو حقه، وقد أغفل عنه بدرجة كبيرة على مستوى تهذيب النفس وعالم الأخلاق فتى الموالي يكتب ويعتقد به اعتقاداً راسخاً. وهو من جانب آخر إذا ورد عالم تهذيب النفس والسير والسلوك تقدم عليه وتجاوزه وكأنه غير موجود.

ولعل من أسباب ذلك هو التجرئة والتفريق بين العلوم الإسلامية والتأثر بالمناهج الخارجية و...
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام عندما سئل: أيهما أفضل؟ العبادة في السر مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل أو العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام منكم الظاهر؟ فقال عليه السلام: "يا عمار الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية. وكذلك والله عبادتكم في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل".
فالملاحظ هنا وبشكل واضح أن المعيار والقيمة الأساسية التي أضيفت إلى العبادة هي حضور الإمام والعلاقة به. وتختتم الرواية بقوله عليه السلام: "أما والله يا عمار، لا يموت منكم ميت على الحال التي أنتم عليها إلا كان أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر وأحد، فأبشروا"!!

وفي رواية عنه عليه السلام أيضاً قال في وصف حالات عصر الغيبة:"الخير كله عند ذلك" كررها ثلاثاً (الكافي، ج‏1، ص 400).
فلعمري، لماذا نهمل هذا الكنز العظيم والحقائق الإلهية الكبرى ونطلب الري من السواقي والمياه الكدرة وهنا النبع الصافي والماء العذب:﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾.
وقال الإمام الصادق عليه السلام: "إعرف إمامك، فإنك إذا عرفت لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخر".
وعنه عليه السلام في جواب أبي بصير عندما سأله: جعلت فداك متى الفرج؟ قال عليه السلام: "يا أبا بصير وأنت ممن يريد الدنيا!!! من عرف هذا الأمر فقد فرج عنه لانتظاره".

فمعرفة الإمام هي الخير كله فهل يطلب السالكون في سلوكهم إلا الخير والهداية. ويلاحظ في الرواية الأخيرة أن الإمام عليه السلام قد بين للسائل أنه طالما لا يريد الدنيا (حتى ولو كانت حلالاً يصيبه) فإن الخير والفرج في الانتظار والمعرفة.
فحتى إقامة الحكومة الإسلامية العالمية ليست الغاية، مع عظمتها، وذلك بالمقارنة مع هذا الأمر (الانتظار). لأن الحكومة ليست إلا وسيلة للوصول إلى الأهداف الكبرى والتي يقف على رأسها الوصول إلى الله تعالى.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع