صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

عاشوراء مدرسة تختصر الإسلام


هي مدرسة نتعلم فيها دروساً في الفضيلة والكرامة.. نعم هي كتاب نقرأ بين أسطره أحرف النور.. نعم.
هي المنبع الفياض للخير والإيثار.. نعم.
ولكن أن تكون مدرسة تختصر في عدة أيام الإسلام كله!
فهذا ما يبدو أمراً عجيباً..

إننا عندما نستمع إلى السيرة الحسينية ونحصر مجالس العزاء الكربلائي ندرك كم من المواقف العظيمة قد سجلت. فنطلع على فضائل وقيماً هي في قمة المعاني وأسمى ما جاء في الإسلام صدرت من ثلة الأصحاب وقادها الإمام المعصوم عليه السلام.
ففي أيام معدودات تسارع الزمن إلى حيث اختصر ثلاثة وعشرين سنة هي عمر الرسالة ونزولها، فقال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم:"حسين مني وأنا من حسين".

فكان الحسين عليه السلام خير وليد للإسلام كله استطاع أن يعيده إلى الحياة في ذلك الزمان القصير، لأنه استعمل أقصى ما جاء في تعاليمه وأسمى وأعمق ما فيه.

لقد احتاج العرب إلى ثلاثة وعشرين سنة ليتلقوا الإسلام، وكان الإسلام في حركته الصاعدة يتطلب هذا الزمن لكي يعرض جواهره. وليس ذلك من نقص فيه والضعف في فاعليته بل كان ذلك بطبيعة الحال من القابل وهو المجتمع الذي صار إسلامياً بعد ذلك.

ولكن إذا ارتفع القابل إلى درجة العصمة وبلغ أوج الكمال فإنه يعرض الإسلام متى شاء في نسيج واحد متكامل. وهذا ما قام به الإمام الحسين عليه السلام: "...وأنا من حسين".

يصعب على الذين يقفون عند ظاهر الحقيقة أن يدركوا هذا المعنى لأن ما يعرفونه عن الإسلام هو الكم الكبير من الكتب والكلمات التي قضى علماء الإسلام قروناً من الزمن وبذلوا جهوداً مضنية في تأليفها وبيانها.

ولكن الذي ينظر وراء العبارات يدرك أن للإسلام روحاً واحدة بسيطة. يشهد على ما نقول القرآن الكريم الذي فيه تبيان لكل شيء، وأنت تقرأه في يوم واحد.

هي كربلاء إذاً، حاضرة بحضور المعصوم الذي هو القرآن الناطق صاحب جوامع الكلم، الذي لا يحتمل حديثه إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه بالإيمان. وكيفما قلّبتها تدرك سراً من أسرار الإسلام. ولكن يا لرحمة الرب التي وسعت كل شيء فقد تقدمت إلينا لتختصر لنا فترة التعلم والدراسة وتعرّفنا أن الإسلام هو التسليم والعبودية المحضة لرب العالمين.

فكربلاء جسدت هذه العبودية بكل معانيها وأخبرتنا أن الزمن ليس إلا حساب الدنيا والمادة، وأن من يرتفع إلى عالم الملكوت ويخترق حدود الزمان والمكان سيطلع على الجوهرة العظيمة التي أشار إليها الإمام الصادق عليه السلام: "العبودية جوهرة كنهها الربوبية".

* ما نتعلمه من عاشوراء
1- التسليم التام لله
عندما يرتبط الأمر بالقتل، فإن التضحية هنا تفوق كل شيء. ولم يحدث في عالم الإسلام موقفٌ مشابهٌ، حيث كان القتل أمراً حتمياً وكان في نفس الوقت تكليفاً إلهياً. لقد واجه الإمام الحسين وأصحابه هذا الأمر بالتسليم التام للإرادة الإلهية.

2- حضور الأمة بكل فئاتها
أراد الإمام الحسين عليه السلام أن يستنهض الأمة- حاضراً ومستقبلاً- بكل فائتها وشرائحها من خلال التمثيل الذي ظهر في كربلاء. فكان معه الطفل الرضيع والعجوز والشيخ والشاب والحدث والأم والأب والأسود والأبيض والغني والفقير.
واليوم فإن كل واحد منا يجد نموذجاً عنه في كربلاء ولا يبقى له أي عذر في التخلف عن النزول إلى الساحة.

3- أعلى درجات التضحية
لقد ضرب الإمام الحسين عليه السلام ومن معه المثل الأعلى في التضحية والإيثار بحيث لن يتكرر هذا الأمر بكل تفاصيله في حياة البشرية أبداً. بل سيأخذ كل فرد جزءً- أن استطاع- منها. ومع نزول المصائب على هذه الأمة- مما يتطلب تضحية مستمرة- لا نجد إنساناً قدم أو يمكنه أن يقدم مثلما فعل الإمام الحسين عليه السلام. إن من يدرس في مدرسة عاشوراء يعلم كم هو مقصّر عندما يقف بين يدي أبي عبد الله عليه السلام.

4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
اختصر الإمام عليه السلام ثورته العظيمة بهدف أساسي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأعطى لهذه الفريضة الإلهية بعدها الحقيقي، الذي يشمل كل جوانب الحياة. وأخرجها من زاوية العلاقات الفردية والعبادات الجزئية لتشمل المجتمع بأسره.
أفهمنا الإمام عليه السلام أن القضاء على الظلم والظالمين يقع في أول مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
"...إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر...".

5- الارتباط بالله والتوكل عليه
فرغم خطورة الموقف وتكالب الأعداء وكثرتهم لم نشاهد الإمام الحسين عليه السلام يعتمد على الناس حتى ولو كانوا أصحابه، بل يخبرهم بأنهم يستطيعون الرحيل:"..إن هذا الليل قد أقبل فاتخذوه جملاً...".
وهو عليه السلام عندما كان ينادي: "هل من ناصر ينصرنا"، فذلك لإلقاء الحجة على الناس، وليبقى نداؤه أبد الدهر يستجيب له المؤمنون الأحرار.

6- التنظيم والانضباط
لم يترك الإمام الحسين عليه السلام، ورغم صعوبة الموقف، أمر تنظيم عسكره. بل راعى هذا الأصل حتى اللحظات الأخيرة. وقد يصور لنا بعض القرّاء أن حركة الإمام عليه السلام كانت انتحارية حائرة يائسة يغلب عليها الجو العاطفي. ولكن عند التدقيق في السيرة الحسينية نجده قد تعاطى مع المعركة كقائد عسكري من الدرجة الأولى، من حيث توزيع المقاتلين ورد الهجمات واختراق جبهات العدو واستعمال الحرب النفسية...

7- الجو المعنوي
في عمق المأساة وقف الإمام مصلياً، وبعد حدوث الفاجعة قامت زينب عليها السلام تصلي صلاة الليل. لم تغلب المصيبة رغم هولها قلب الأحرار النابض بعشق الله، لأنهم يدركون أن كل ما يحدث هو لأجل تثبيت قلوبهم على حب الله وعبادته.

8- رعاية الأحكام الإلهية
لم يخرج الإمام قيد أنملة عن حدود الله. فلم يجزع ولم يرتكب أي خطأ في كافة التفاصيل فالإمام المعصوم معصوم في السرّاء والضرّاء والسر والعلانية.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع