نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

آفات النصر "2"

الحالات التي تبرز عند الشدة والضيق


عندما تعرض على الإنسان حالات صعبة وشديدة ويبرز الضعف والحرمان ويقع الإنسان في الضيق والعسر.. وتظهر له المشاكل والمصائب والأرزاء...
هنا تبدو للإنسان حالتان، إما:
1: التوحيد الخالص. أو
2: حالة اليأس والكفر...


لهذا عندما نلتفت إلى القدرة الإلهية الأزلية أثناء الآلام والمصائب والرزايا ونتذكر أن الله سبب كل شيء، وندرك أن كل الأمور بيده وتفتح نافذة الأمل لنا... وننقطع عن كل شيء دونه... ندرك قدرته وننشد بنغمة الضعف والافتقار.
وبالخلاصة: نجد أنفسنا في فضاء الروح التوحيدية الخالصة التي تسكرنا في شراب التوحيد. ونرتلها خالصة.. ونرى وجودنا مستغرقاً في محيط ساحة رحمته حيث يقول: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.
عندما نرى أنفسنا في الهزائم والمصائب والآلام أسرى الأسباب المادية سنصاب بحالة اليأس التي تضغط على كل وجودنا ونشاهد أنفسنا قد وقعنا في مخالب الكفر المشؤومة.
إذا ما هُزمنا في مواجهة العدو، إذا ابتلينا بمرض شديد، إذا وقعنا في براثن الفقر والفاقة.. إذا فقدنا عزيزاً إذا احترقت أموالنا وأملاكنا.. وإذا تعرض جاهنا للخطر.. إذا تزلزلت مواقعنا.. وإذا...
تظهر هذه الابتلاءات والمصائب لنا في قلوب مرددة بين الحالتين اللتين ذكرتا.. أحياناً نعود إلى الله في عالم من التوحيد والإنابة.. وأحياناً أخرى في حالة يأس وكفر.
والواقع أنه إذا تلقينا تلك الجذبات الإلهية والبوارق الربانية ونفذت تجليات ذات العزيز في أرواحنا سنتغلب على حالة الشرك والكفر.
وأما إذا لم نلتفت إلى تلك البارقات والتجليات ومررنا عليها مرور الكرام ستسيطر علينا الحالات التالية.
1- الكفر.

2- اليأس.

﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ.
عندما تنزع النعمة، ويأتي البلاء وتنقطع عنا الرحمة ويظهر الألم والقلق. فيخيم اليأس والكفر في منازل قلوبنا ويفضيها، عندها تكون النظرات مساوية لليأس والكلمات تحكي عن الكفر.. السلوك يخالط اليأس والمقالات تبعث الكفر..

3- القنوط:
﴿ لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ.
الحالة الأخرى للإنسان التي تظهر وتبرز الآلام والشرور ومظاهر القلق في قلبه هي حالة القنوط يعني اليأس من الخير.
والقنوط يعني أن الإنسان يبتعد كثيراً عن الرجاء والخيرات والأنوار ويختار العيش في دجى الشرور والسيئات.

4- الجزع:
﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا.
الجزع ضد الصبر... وظهور الشكوى الممزوجة بالاضطراب يسمى جزعاً. الضعف والقلق الناشىء عن الألم يسمى جزعاً.
تبرز هذه الحالة في الإنسان عند مواجهته للشدائد والمصائب والشرور، وهي حالة لا علاقة لها أصلاً بالسكينة والطمأنينة لذلك لا يبقى هناك أثر للسيطرة على النفس فيغدو المرء بكله ضعيفاً ذا خفة، عاجزاً ومتزلزلاً دون صبر ولا وقار.

5- الإنابة:
الحالة الخامسة التي تظهر في الإنسان عنده الشدة والصعاب هي الإنابة.
والإنابة تعني مراجعة الإنسان المتكررة، الذهاب والعودة بشكل مستمر، العودة المباشرة من غير توقف حيث أن القرآن الكريم مجدداً يصف هذه الحالة للإنسان وهو يتلقى لسعات المشاكل السامة.
﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ.
فالإنسان يذهب ويؤوب.. يراجع ثم يعود وتستمر به هذه الحالة حتى يفلت من المشكلة ويتخلص من المصيبة وألمها وعندها بعد أن تنتهي المصائب ماذا يحدث؟
عندها يحدث له حالة أخرى سنذكرها في القسم اللاحق التالي من حلقة آفات النصر.

6- الدعاء العريض:
﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ.
لعل هذه الجملة "فذو دعاءٍ عريض" مظهرة لحالة الإنسان عندما يواجه المصائب في طريقه ويجد نفسه عاجزاً... وعندها لا يترك المحراب يعتصم بالله يناجيه، يتضرع، يستغيث به.. يندب... ينزوي عن الناس ولا يتحدث إلا مع ربه... ييأس من الناس... ويبث ما به إلى الله.. يطلب منه حلّ مشكلته.. ويطلب منه إصلاح حاله، وجميع هذه الحالات والطلب العميم.. والالتجاء بينت بجملة "فذو دعاء عريض".

7- الجؤار.
الحالة السابقة التي تبرز في الإنسان في هذه المواقع هي حالة الجؤار.
﴿َمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ.
والجؤار هو الصوت العالي غير الطبيعي الذي يخرج من الإنسان في شدة الآلام والبلايا وحتى أنه أحياناً يكون عالياً ومستغرباً وأكثر ما يكون شبيهاً بأصوات الحيوانات.
جملة الجؤار الواردة في الآية: فإليه تجأرون، الصراخ والأصوات غير الطبيعية للإنسان التي تحكي عن ضعفه وجزعه الشديدين الإنسان يبكي في أوج بلاءاته وأوجاعه يستغيث.. ينهار.. يجلس.. يقوم.. يهوي ويعلو.. يتعقد.. يعترض.. يشتم.. يسب يشق قميصه.. يضرب رأسه بالحائط.. يلطم وجهه ورأسه.
وفي كل هذه الأحوال يجري الكلام على لسانه بحيث يشبه كثيراً الصراخ المنقطع ويصبح بأصوات غير مأنوسة أشبه بأصوات الحيوانات هذه الأصوات والصيحات هي الجؤار.
فإليه تجأرون الواردة في الآية يعني أنكم من شدة الألم والمصائب والشدائد تجأرون إلى الله وتصبحون بهذا الشكل.
هذه هي جميع الحالات التي ترد على الإنسان عند المصيبة والحرمان والهزيمة والألم والفقر.
 

اليأس والقنوط والكفر ثلاث حالات تظهر في الإنسان عندما يصبح أسيراً للعلل والأسباب المادية والظاهرية.
حيث ترتبط شدة وضعف هذه الحالات بشدة وضعف الآلام والمشاكل الغم والأنين ينشآن من النقص والانكسار..
في المرحلة الأولى تخلق اليأس وعندما يشتد يوجد حالة القنوط وعندما يصل القنوط إلى أوجه يصبح مخلوطاً بالكفر.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإنابة الدعاء العريض الجزع والجؤار حالاتٌ توجد في الإنسان المبتلى بالانهيار والسقوط.. وعندها إذا التفت إلى قدرة الله وإرادته الأزلية ستبرز للإنسان هذه الحالات وهذه الخصائص:
يعني في المرحلة الأولى يتذكر العزيز القادر، فتتجلى فيه حالة الإنابة وبما أن ألمه ومصائبه قد كثرت عندها يبدأ بالدعاء العريض وعندما يزيد همه يهوي في حالة الجزع وفي أوج الغم والأنين ينسى نفسه ويصرخ ويصيح بأصوات غير طبيعية ويخلص إلى حالة الجؤار والاستغاثة الكبرى.
وهاتان الحالتان، التوحيد والكفر تبرزان في الإنسان في الأزمنة المختلفة وقد تظهر واحدة بعد الأخرى مباشرة أو بفاصلة بسيطة جداً وتستمر هذه الحالات إلى أن يشرق عليه فجر الأمل وتسطع فيه شمس الفتح والنصر وينتهي زمن الألم... وترفرف راية التوفيق وتحل الحسنات والخيرات في جوانح ذلك الإنسان المبتلى والمحروم فتبتسم روحه في هذه الحالة ويبكي أحياناً من الشوق ويغدو في دنيا من السرور والغبطة ومع الأسف أن الكثير من الناس ينسون اللحظات التي سبقت ولا يذكرون زمان البلايا والآلام وأمَّا بالنسبة للحالات التي يعقب حالات البلاء والسوء حيث أن القرآن الكريم يذكر بأوضاع الإنسان غير الشكور ويتحدث عن خصوصية هذه الحالات وإننا بعون الله تعالى سنشير إليها تحت عنوان أفات النصر.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع