نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

موقع العمل الاجتماعي في الفكر الإسلامي

حدث أنه نتيجة عزل الإسلام عن الحياة الاجتماعية لفترة طويلة من الزمن أن ضاعت المفاهيم الاجتماعية منه، وانصرف الناس في هذا المجال عما جاء في الإسلام إلى ما قدّمه الغرب والغربيون.

ومما زاد في المشكلة صعوبة أن حركة الاجتهاد في المسائل الاجتماعية لم تواكب التطورات الحاصلة في المجتمعات الإنسانية، يضاف إليها التطور المذهل للغرب في مجالات الحكومة والإدارة وتنظيم المدن والخدمات والاتصالات.
واليوم، وبحمد الله تعالى سقطت هذه التصورات من عقول العاملين المخلصين الذين نهضوا لأجل إعلاء كلمة الله ومواجهة الظلم والفساد. ولكن، وللأسف أيضاً، بقيت آثار الأفكار السابقة على المستوى النفسي والتربوي والتخطيطي.

فبالرغم من الحجم الكبير للتعاليم الاجتماعية الواردة في القرن والروايات، والتي تفوق الثمانين بالمئة من مجموع التعاليم، نجد أن هذا الجانب يفتقد إلى الاهتمام المطلوب. فقد يظن أكثرُ العاملين أن تنظيم الشوارع والاهتمام بالنظافة العامة وتشجير الطبيعة وو... ليس شأناً إسلامياً، وهنا منشأ الخطأ والشبهة،
فإن الأحكام الإسلامية العملية وسيلة القرب وصعود مراتب الإيمان والحصول على المعنويات. فلا ينبغي الخلط بين الوسيلة والغاية. ولا يجوز التساهل بالوسيلة تحت حجة الاهتمام بالغاية، لأن بلوغ الغاية متوقف على الوسيلة التي هي تطبيق أوامر الله في كل مجالات الحياة.
ومن هنا نفهم سر عظمة حقوق الناس في الأحكام الإسلامية، وخطورة التساهل فيا وشدة العقوبة على خيانتها. وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: "أعظم الخيانة خيانة الأمة".
ونفهم أيضاً لماذا يكون موقف الظالم لحقوق الناس أشد وأصعب من موقف الظالم لحق الله والمقصّر في عبادته. وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: "بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد".
ونعرف أيضاً لماذا يغفر الله للشهيد كل ذنوبه إلا حقوق الناس.

إن رعاية حقوق الناس هي أعظم ما افترضه الله على عباده. هذه الحقوق التي تبدأ من الجوانب المادة وتنتهي بالأبعاد المعنوية لوجود الإنسان. فتشتمل على أمواله وممتلكاته وبدنه ومشاعره وأحاسيسه ووقته وعقله وروحه وأسراره. وهي عند الله عظيمة جداً، ومنها ننطلق لنصوغها بقوالبها المختلفة عبر القوانين والتشريعات التي جاءت من وحي الله في كافة المستويات. فإن التعرض لجسد الآخر بالأذية مهما تنوعت، يؤدي إلى عقوبات مختلفة (قد بينت في الحدود والديات)، والتعرض لعرضه وأهله وشرفه وأحاسيسه وسلبه وقته، كل هذه من المحرمات والذنوب العظيمة من الله.
فإهما إطعام الآخرين وتأمين حاجاتهم المادة تحت حجة الاهتمام بالمعنويات خطأ وشبهة، يخلط فيها صاحبها ما بين الغايات والوسائل. وصحيح أن تزاحم الحاجات فيما بينها يستلزم تقديم الأهم وهو الجانب المعنوي والعقائدي (كالذي يُقتل في سبيل الله، أو ينفق كل ماله في الجهاد الأصغر). ولكن الاهتمام بحقوق المستضعفين وحاجات المحرومين مما لا يشك بعظمته - حتى أن الكثير من حالات الجهاد تكو بسبب استرجاع هذا النوع من الحقوق، وإن أكثر الحدود والتعزيزات في المجتمع الإسلامي هي لصيانة ما ذكرناه.

*الاهتمام بالنظافة العامة
وتأتي الحاجات العامة، والتي سيقت هذه المقدمة النظرية لها، على رأس حاجات المحرومين وحقوقهم، فتنظيم الشوارع والعمران والنظافة والمجارير الصحية والمؤسسات الخدماتية العامة تعتبر من أولويات الحياة في عصرنا الحالي. وفي الوقت الذي ينفق فيها المنفقون والمتصدقون آلاف الدنانير - شكر الله سعيهم - على حالات جزئية خاصة (لا بد منها طبعاً) يجتنب هؤلاء، حتى البحث والخوض في الانفاق على المؤسسات العامة والحديث عن تنظيم الحياة.

في الوقت الذي تؤدي فيه هذه النقائص إلى آلاف المشاكل الاجتماعية والأخلاقية، كما هو حاصل في ضواحي المدن المكتظة، التي يطّلع الجار فيها على أسرار جاره، وتنكشف النساء غير رجالهن نتيجة التصاق البيت وعدم شرعية بنائها، ويعلو الضجيج الذي يصم الآذان والعقول عن التفكير الصحيح والإبداع والمشاعر الإنسانية، ويرتفع صراخ أهل الحي على بعضهم البعض لعدم وجود مواقف لسياراتهم، وتنتشر المياه الآسنة والنجسة لعدم وجود مجارير سليمة، وتفوح الروائح الكريهة للنفايات التي تنشر الأوبئة.. مع كل هذا فأين نحن من الآيات الشريفة والروايات العظيمة التي ملأت كتبنا وتعاليمنا بضرورة الاهتمام بحاجات الناس وحقوقهم.

فالمشكلة إذاً، ليست في النص والنظرية، فإن الإسلام لم يترك مشكلة إلا وقد لها الحل، وتدخل في أدق تفاصيل حياة البشر من آداب الدخول إلى المرحاض وحتى أحكام التعاطي مع الحكومات.
المشكلة تكمن في الفهم الصحيح لهذه الروايات، وتطبيقها على هذه الحياة المعاصرة التي تنوعت فيها الحاجات الإنسانية الثانوية إلى حدٍ كبير.

* إقامة الحكومة الإسلامية أعظم الحقوق الاجتماعية
وإذا تأملنا في جميع المظالم (التي هي ضياع حقوق الناس واستلابها)، بدءاً من حقوق التعليم والطبابة والخدمات العامة والنقليات والنظافة والبيئة والعلاقات الاجتماعية، نجد أن السبب الأول لحدوثها هو النظام السياسي الظالم، الذي يغلّب الأغنياء على الفقراء، ويسحق المستضعفين ويعطي القيمة لأصحاب القوة العسكرية والوجهاء، وينصّب المحتالين في المناصب القضائية، ويعيّن الأفاكين في الوزارات العامة ومراكز الثقل، فيتخذون مال الله دولاً وعباده خِولاً (عبيداً لهم)، وينشرون الفساد ويهدمون مراكز العلم والإيمان ويسترذلون الضعفاء.
ولهذا كانت إقامة الحكومة الإسلامية أداءً لأعظم الحقوق الاجتماعية، لأنها الوحيدة التي تمثل استرجاع كافة الحقوق والقضاء على كافة وجوه الفساد والظلم، بنظامها الدافع والجاذب: الدافع للمنكر والمقرر للعدل والإحسان.

ومن هنا نفهم سر حركة الإمام والخميني قدس سره التي توجهت بالدرجة الأساسية نحو اقتلاع الطاغوت وهدم أركان نظامه. فهو لم يؤسس الجمعيات ولا المؤسسات الخيرية، ولم يقم المساجد والمستشفيات، بل سعى بكل طاقته وجهده لأجل إقامة الحكومة الإسلامية، فجعل إيران بانتصارها كلها مستشفى لجميع المحرومين ومدرسة لكل الطالبين ومساجد لكل العابدين.

وفي الوقت الذي الآخرون كل حياتهم وماتوا ليفتخروا ببناء أربعة مساجد وعدة مستشفيات. قضى الإمام الخميني وقد جعل كل إيران للمستضعفين والمحرومين. وكان همه الأكبر منذ البداية هو إنقاذ المحرومين واسترجاع حقوقهم، وعرف نظام الإسلام الحقوقي وروح أحكامه واستطاع تطبيق قاعدة التزاحم في الفكر والعمل، فأنشأ قواعد العمل الاجتماعي في عالم الإسلام.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع